دعت قوى سياسية سنية عراقية إلى تأجيل الانتخابات إلى حين ضمان عودة النازحين إلى مناطقهم في المحافظات ذات الغالبية السنية شمالي وغربي البلاد. وقدمت الكتلة السنية في البرلمان العراقي طلبا رسميا إلى رئاسة مجلس النواب لتأجيل الانتخابات المقررة في مايو القادم. وقوبل هذا الطلب بإعلان أكبر الكتل في البرلمان العراقي رفضها لهذا المقترح
 

تقدمت الكتلة السنية في البرلمان العراقي، رسميا، بطلب إلى رئاسة مجلس النواب، لتأجيل الانتخابات المقررة في مايو القادم عاما واحدا في الأقل، في البلاد عموما أو في المحافظات التي احتلها تنظيم داعش فقط، في حال كان التأجيل العام غير ممكن.

ويقول مراقبون إن الأحزاب السياسية السنية التقليدية تخشى أن يعاقبها الناخبون، بعدما فشلت في حمايتهم من احتلال تنظيم داعش لمناطقهم، وما أعقب ذلك من تهجير، ومعارك للتحرير أسفرت عن دمار كبير لمحافظاتهم.

وتريد الكتلة السنية المزيد من الوقت لترتيب أوراقها الانتخابية، قبل خوض اقتراع حاسم يتعلق برسم خارطة النفوذ ومراكز القوى على مستوى البلاد.

وبحسب وثيقة اطلعت عليها “العرب”، فإن طلب التأجيل الذي تقدمت به الكتلة السنية، يأتي “بناء على المصلحة العامة وتحقيقا للعدالة الاجتماعية والسياسية بين أبناء الشعب العراقي، كما أنه يستند إلى المبدأ الدستوري في تكافؤ الفرص بين العراقيين”.

وتقول الكتلة السنية إنه “نظرا لعدم توفر الشروط اللازمة التي حددها مجلس الوزراء لإجراء الانتخابات، وفي مقدمتها إعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة وإعادة جميع النازحين وتهيئة المناخ الانتخابي والأمن للمناطق المحررة وحصر السلاح بيد الدولة”، فإنها تقترح “تأجيل الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات لمدة لا تقل عن سنة لفسح المجال أمام الحكومة والقوى السياسية والشعبية لإكمال الشروط اللازمة التي حددها مجلس الوزراء مع تمديد عمل مجلس النواب”.

أما المقترح الثاني، فجاء فيه أنه “في حال إجراء الانتخابات في موعدها المحدد فإننا نطالب وباسم الشعب تأجيل الانتخابات في المحافظات التي احتلتها التنظيمات الإرهابية، والاقتصار على إجرائها في المحافظات الأخرى”.

وقالت مصادر برلمانية لـ”العرب” إن الكتلة السنية التي تضم نحو 50 نائبا جمعت تواقيع أكثر من 140 برلمانيا يدعمون طلب تأجيل الانتخابات من بين 328 نائبا بالبرلمان العراقي.

وأحالت رئاسة مجلس النواب المقترحين إلى اللجنة القانونية للبت في إمكانية عرضهما على جدول أعمال البرلمان خلال جلسته المقررة الخميس التي خصصت سلفا لبحث قانون الانتخابات.

لا تقتصر المخاوف من إجراء الانتخابات في موعدها على الساسة السنة، بل تشمل طيفا شيعيا مؤثرا
وقال مراقب عراقي لـ”العرب” إن الكتلة السنية هي أضعف كتل البرلمان وأقلها تأثيرا في قراراته، لذلك فإن طلبها تأجيل إجراء الانتخابات يمكن القفز عليه بيسر، وأضاف “في ظل انخفاض شعبيتها في المناطق السنية التي يمكن أن تتدنى فيها المشاركة في الاقتراع إلى درجات قياسية، بسبب الظروف المأساوية التي تعيشها تلك المناطق فإن هناك أطرافا شيعية عديدة تسعى إلى التخلص من الممثلين التقليديين لتلك المناطق وإحلال شخصيات محلية جديدة محلهم بما ينسجم مع التحولات التي ستشهدها الكتلة الشيعية الحاكمة بعد أن انضم قادة الحشد الشعبي إليها”.

وأعلن “تيار الحكمة” العراقي، الذي يقوده عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني الشيعي أكبر كتلة في البرلمان (180 نائبا)، الأربعاء، رفضه لمطلب الكتل السنية بتأجيل الانتخابات.

وجاء ذلك في بيان لعضو المكتب السياسي للتيار فادي الشمري، قال فيه “نستغرب قيام أعضاء من مجلس النواب في كتلة اتحاد القوى الوطنية والبعض من القوى الأخرى بتقديم طلب مخالف للدستور، يطالب بتأجيل الانتخابات لمدة سنة واحدة بأعذار واهية”.

وأضاف “نعتبر ذلك مخالفة صريحة للقسم النيابي الذي أقسموا فيه على احترام الدستور والالتزام بسياقاته”.

وتابع “سنعمل في تحالف الفتح (ائتلاف العبادي) وكتلة الحكمة النيابية مع شركائنا الآخرين بكل قوة لإجهاض هذه السلوكيات المضرة بالحياة السياسية، والتي تؤسس لسابقة خطيرة تتمثل بالتجاوز على استحقاق دستوري ثابت لا يقبل التأويل”.

واعتبر الشمري أن “الانتخابات ليست ترفا سياسيا يمكن التهاون به، بل هي التي أسست وتؤسس لشرعية قيام الدولة العراقية أمام المجتمع الدولي”.

وقد يكون إصرار رئيس الوزراء حيدر العبادي على إجراء الانتخابات في موعدها ناتجا عن خوفه من انفراط التحالفات الهشة التي عقدها مع أطراف يشك من موقعه الحزبي كعضو في حزب الدعوة في ولائها لبرنامجه الإصلاحي الذي لم ير النور عبر السنوات الأربع الماضية إلا نظريا.

ولا تثق تلك الأطراف بالعبادي بقدر ما تسعى إلى مواجهة المالكي به. كما أن العبادي نفسه لا يود الظهور في هذه المرحلة بالذات كما لو أنه قريب من مواقف الكتلة السنية التي خسرت الكثير من شعبيتها بسبب تواطئها الخفي مع سياسات المالكي وما نتج عنها من كوارث.

ويشير المراقب العراقي إلى أن “نواب رئيس الجمهورية الثلاثة الذين لا يملكون حظا جيدا في نيل أصوات تؤهلهم لمناصب قيادية في المرحلة المقبلة إذ يصرون على ضرورة الالتزام بالاستحقاق الدستوري فإنهم يحاولون الظهور بموقف من يضع بنزاهة وتعفف مصلحة الشعب فوق مصالحه الشخصية، وهو ما لا يمت للحقيقة بصلة”.

ولا تقتصر المخاوف من إجراء الانتخابات في موعدها على الساسة السنة، بل تشمل طيفا شيعيا مؤثرا يعتقد أن رئيس الحكومة العراقية سيكون أبرز المستفيدين من اقتراع مايو بسبب شعبيته المتزايدة.

ويعتقد مراقبون أن زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، في مقدمة الداعمين لخيار تأجيل الانتخابات، لكنه يصرح بعكس ذلك “خشية أن يبدو ضعيفا في الساحة السياسية الشيعية”.

وسبق للعبادي أن رفض طلبا للقوى السنية بتأجيل الانتخابات. وكرر الثلاثاء التزامه بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 12 مايو القادم. وسيسبق الجلسة البرلمانية اجتماع لرؤساء الكتل النيابية مع رئيس البرلمان سليم الجبوري الذي يدعم علنا تأجيل الانتخابات.