ما حصل في تونس جاء على خلفية زيارة أردوغان الذي قطع زيارته لتركيا بعد أن لاقى تنديداً شعبياً بالزيارة فرض على السلطة التعامل معه كوزير تركي لا كرئيس
 

لم تبلغ تونس بعد مرحلة الإستقرار الأمني لأسباب كثيرة مرتبطة بأدوار القوى الظلامية التي تستبيح الأمن لإبقاء عنصر القلق مستيقظاً في الوسط التونسي، ومرتبطة بأدوار السلطة التي تبحث عن حلول لمشاكل الاقتصاد في رغيف الفقراء، ومرتبطة  أيضاً بدور طرفيّ النزاع الخفي أحياناً و البارز في أحايين كثيرة بين الإخوان والعلمانيين اذ كل يشد بساط تونس نحوه باعتبار أن الآخر هو المشكلة التي تقف وراء الأزمة التونسية المفتوحة على كل شيء.
بعد أن سيطر الجيش والقوى الأمنية على تحركات وتظاهرات التونسيين في أكثر من مدينة اعتراضاً على قانون الضرائب الذي يأكل من لحم التوانسة، لم يمنع قمع متظاهرين أخلّوا بالأمن وسرقوا بعض الممتلكات من فتح نقاش كبير لمتظاهرين قاموا وتحركوا ضدّ الفساد الضريبي انطلاقاً من معاناة فعلية لواقع تونسي مأزوم، وقد تعددت روايات التظاهرات من قبل المتظاهرين المعارضين للسلطة وبين القامعين لنشاطها من أهل الحكم الذي صادر التحرك الأخير ووضعه بقبضة الأمن واعتبره تحركاً ممولاً من جهات معلومة وعرض كيفية قيام نواة المتظاهرين بدفع الأموال لمخربين بغية العبث وتحريض وتحريك التظاهرات بطرق مخلّة بالأمن للنيل من استقرار السلطة وفتح ثغرة في جدار التوافق القائم بين القوى والفرق المشاركة في الحكم.

إقرأ أيضًا: أبو مازن: السلطة محتلة والمقاومة سلمية
لقد اعتبرت المعارضة أن حديث تمويل التظاهرات ما هو الا فبركة أمنية معتادة ويبدو أن النظام الحالي مازال متأثراً بنظام بن علي وهو غير قادر على اجتراح الحلول المطلوبة لأزمة ضريبية وأزمة بطالة وأزمة كساد لذا يذهب الى أهون الحلول بتخوين الناس وتلفيق التهم الجاهزة في تجربة بن علي الذي مازال حاضراً في سلوك السلطة.
ثمّة رأي بين الرأيين يعتبر أن ما حصل في تونس جاء على خلفية زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قطع زيارته لتركيا بعد أن لاقى تنديداً شعبياً بالزيارة فرض على السلطة التعامل معه كوزير تركي لا كرئيس من خلال هشاشة الاستقبال الرسمي وهذا ما صفع قفا النهضة التونسية وأثارت حفيظة الاخوان باعتبار أن هذا الاستقبال مشين بخليفة الاخوان الذي حضر الى تونس التي يتزعمها أميرها راشد الغنوشي ولكنه تفاجأ من حجم الانتقام من جماعة الاخوان الذين أبلوا بلاءًا سيئًا في تونس لذا كان المطلوب تأديب التونسيين فكان ما كان.

إقرأ أيضًا: العبادي مشروع شهيد
من هنا ثمة اتهام واضح للنهضة في ترتيب التظاهرات المخلة بالأمن لكسر عصا الاستقرار وفتح شهيات كثيرة على التخريب ودفع البلاد نحو الفوضى وهذا ما يدفع مجدداً الى المطالبة بدور متقدم لحزب النهضة باعتباره الطرف الذي يملك وسائط الامساك بالأمن باعتبار أن أدوات التخريب تابعة له وهو بذلك يؤكد للتوانسة صعوبة قيادة البلاد من قبل أي حزب سياسي أو أي شخصية سياسية ولزاماً عليهم التمسك بعباءة الاسلام السياسي ورمي العلمنة خارجاً كونها لا تصلح لتونس وغير مقدر لها الاستمرار في ظل أزمات مستفحلة وخانقة وهي لا تملك حلولاً وأن الاسلام هو الحل.
لقد تنوعت حكايات التظاهرات الأخيرة في تونس بين التونسيين أنفسهم وهذا ما يشير الى وجود وضع صعب لم يحسم بعد لصالح أي جهة من الجهات التي لم تفلح في التعايش السياسي رغم انتاج ديمقراطية توفر للقوى المسيطرة سيطرة باسم الشعب في حين أن ما يمارس من سياسة انتخابية هو بعيد كل البعد عن الديمقراطية لذلك تمّ محاصصة  السلطة التونسية بين النافذين في ظل انعدام أي مشروع من قبل غير الاسلاميين وإبقاء المشروع الاخواني وحده الأفق المفتوح أمام تونس كخيار تفرضه ضرورات الأمن في وجوهه كافة.