في خضم عبث الماكينات الانتخابية الحزبية بأدمغة قواعدها الشعبية، والتلويح لهم بحقوقهم المكتسبة وكأنها مِنّة انتخابية ومعجزات لن تتحقق قبل أن يُسقِط هؤلاء ورقة خيارات أمرٍ واقع في صناديق اقتراعٍ معلبة، تنطلق من رحم المجتمع المدني حركات سياسية تطمح بعدد نواب بسيط يصل إلى الندوة البرلمانية، يحمل في "شنطته" ملفات مشاريع تشبه معاناة ذاك المواطن المرميّ على هامش ساحة النجمة منذ عقود.

في خطوة لافتة لم يعتد عليها الشارع اللبناني، يتوجه عدد من الناشطين والخبراء بقضايا الاقتصاد والاجتماع والأكاديميين والشباب الجامعي لإطلاق حركة سياسية جديدة تحت اسم "لِبلدي" يوم غد الأربعاء، واللافت أن هذه الحركة تضم بجزء كبير منها أعضاء من حملة "بيروت مدينتي" التي خاضت الانتخابات البلدية في العاصمة العام الماضي وحصدت نسبة مرتفعة من الأصوات.

 


فما هي هذه الحركة، وأهدافها، وخطة عملها، وبرنامجها، وكيف لها أن تبني لنفسها حيثية انتخابية في ظل حيتان الأحزاب السياسية، وعلى ماذا تُعوّل في الانتخابات النيابية المقبلة؟

للإجابة عن هذه الاسئلة كان لـ"ليبانون ديبايت" حديث مع الناشط في حركة "لِبلدي" جلبرت ضومط، الذي عرّف "لِبلدي" بأنها حركة سياسية تنطلق من الانتخابات النيابية كمحطة سياسية أساسية لبلورة هذه الحركة ما بعد الانتخابات.

حركة مستقلة كلياً عن الأحزاب السياسية الطائفية الموجودة في السلطتين التشريعية أو التنفيذية أو حتى تلك الأحزاب غير الموجودة، وهي جزء من سياسة المحاور في البلد. "تضم ناشطين وخبراء عملوا لعشرات السنين على كم من السياسات والاستراتيجيات والحلول والتشريعات التي لم نستطِع يوماً أن ننفذها لأن السلطة السياسية لم يكن لديها الإرادة للعمل عليها، سواء في المواضيع المتعلقة بالسياسات المدنية أو الكهرباء أو المياه أو التربية أو الصحة".

لماذا اليوم؟
يجيب ضومط أنهم اليوم شعروا أن "هذا هو الوقت المناسب فعلياً للدخول إلى الندوة البرلمانية، لإدخال كل الاقتراحات التي عملنا عليها على مدى سنوات لنحققها من خلال المجلس".

ترى "لِبلدي" في القانون الانتخابي الجديد، والنضوج الذي يراكمه المجتمع المدني في السياسة والتنظيم والعمل مع الناس، وفي الوعي الاجتماعي الواضح لكل ما يحصل، إذ إن الشارع اللبناني بات مدركاً بأن هذه الطبقة السياسية ليست أهلاً لأي تطوير في هذا البلد. فرصة حقيقية وتاريخية لإحداث التغيير في المرحلة المقبلة.

و"لِبلدي" برنامج متكامل، التركيز الأكبر فيه على الاجتماع الاقتصادي، "لأننا نعتبر إذا استطعنا الحصول كمواطنين على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وإذا أمّنت الدولة هذه الحقوق نستطيع بناء دولة قادرة على القيام بكل أدوارها المختلفة".

ومن أهداف الحركة أيضاً العمل على احترام وتطبيق الدستور اللبناني بحذافيره، وإعادة استرجاع دور النائب بالمحاسبة والتمثيل، و"هي الأدوار التي نسيناها خلال المرحلة الماضية. فمنذ العام 2009 حتى اليوم لم يقم مجلس النواب إلا بجلستَي محاسبة، بينما كل النظام اللبناني بانهيار والخدمات الاجتماعية والعامة أيضاً". 

وفي ما يخص تقارب "لِبلدي" مع الحركات المدنية اللي شهدتها الساحة اللبنانية مؤخراً، يؤكد ضومط أن ناشطي الحركة ومنذ أكثر من ستة أشهر في حوارات مع كافة المجموعات المدنية الموجودة، بهدف الوصول إلى تحالف في المرحلة المقبلة في المناطق وبعض القضايا. و"هناك تقارب جداً عالي مع باقي المجموعات ونحن منفتحون مع باقي المجموعات وحتى مع أفراد أو خبراء للعمل سوياً".

ماذا عن خطة عمل "لِبلدي" في الأيام المقبلة؟
تتجه "لِبلدي" يوم غد لفتح باب التطوع والانتساب، وتوجيه الدعوة لكل من يريد أن يكون جزءاً من تطوير هذه الحركة السياسية. وسيكون لها في المرحلة المقبلة إطلاق رسمي للحركة، ومن ثم إطلاق برنامجها الانتخابي، والإعلان عن مرشحيها.

ويوضح ضومط أن "لِبلدي" حركة مستقلة عن "بيروت مدينتي" وإن كان عدد كبير من أعضائها هم من أعضاء "بيروت مدينتي" لأن الأخيرة أخذت قرارها الداخلي بأنها لن تشارك في الانتخابات النيابية، فهي نجحت بعملها المحلي ومستمرة فيه.

وعن اسم الحركة، يلفت ضومط إلى أن التسمية توحي بأن "لِبلدي" هي فعلياً للبلد ولخدمة البلد، فـ"نحن فقط لبنانيون ونرفض أن يكون هناك أي تبعية لأي جهة خارجية". أما ياء المتكلم في "لِبلدي" ففيها استرجاع لملكيتنا ولحقوقنا في هذا البلد، واسترجاع للبلد ككل.

فهل ستنجح "لِبلدي" بخرق جدار الصوت الحزبي، وتكون صداً حقيقياً لصراخ مواطن فقد أمله بالتغيير في بلدٍ كثُرت فيه النوائب وقلّ فيه النوّاب؟