سيدفع لبنان من خزينة الدولة مليون و400 ألف دولار...  مقابل دراسة تعدها شركة "ماكينزي أند كومباني" الأميركية خلال ستة أشهر لإنعاش الاقتصاد، بتكليف من مجلس الوزراء الذي يسعى إلى تنفيذ رؤية وخطة متطورة تُحدد مستقبل البلاد الاقتصادي للسنوات الخمس المقبلة. وقد اعتبر وزير الاقتصاد رائد خوري أنّ هذا المبلغ زهيد نسبة إلى الدين العام الذي يصل إلى 80 مليار دولار.

لكن ماكينزي ستستعين بخبراء لبنانيين لتحديد هوية لبنان الاقتصادية، فمن هي هذه الشركة، ولماذا لم تستعن الحكومة بهؤلاء الخبراء بدون الشركة؟

ما هي شركة ماكنزي؟

تعتبر ماكينزي من الشركات الرائدة في مجال استشارات الأعمال، وتشتهر بقدرتها على تقديم الحلول الاستشارية للشركات والحكومات على حد سواء. أسسها أستاذ المحاسبة في جامعة شيكاغو جيمس ماكينزي عام 1926.

وبعد وفاة ماكينزي عام 1937، استلمها مارفن باور (خريج جامعة هارفارد) ونقلها من مجرد مؤسسة استشارات الى شركة بارزة في الاستشارات الإدارية في الولايات المتحدة. ويعمل فيها أكثر من 9 آلاف مستشار في مختلف المجالات الادارية.

ماكينزي وخططها

نجحت شركة ماكينزي بتقديم الخطط المستقبلية الاستراتيجية للعديد من المشاريع، فعملت مع جامعة هارفارد لإنشاء الدراسات العليا في إدارة الأعمال. كما استشارها الرئيس الأميركي ايزنهاور خلال الحرب الباردة لاختيار المناصب الرئاسية في البلاد. وساهم عملها في اطلاع الشركة على أسرار أعظم المؤسسات، ما جعلها المحرك الرئيسي لمجال الأعمال في أميركا في الستينيات.

أما على صعيد لبنان، فأوضح الخبير الاقتصادي غازي وزني في حديثٍ لـ "النهار" أنّه برأي المسؤولين فإيجابيات ماكينزي أنّها شركة عالمية ولديها مصداقية كبيرة نتيجة التقارير الكثيرة التي قدمها خبراؤها لشركات ودول كثيرة.

 

شركات أعلنت إفلاسها بعد خطط ماكينزي

تناول كتاب The Firm للكاتب داف ماكدونالد الاخفاقات الاستشارية التي كانت ماكينزي خلفها، من بينها النصيحة التي قدمتها للخطوط الجوية السويسرية بتنفيذ "استراتيجية الصياد"، والتي أدّت إلى فشل برنامج التوسع، واضطرت إلى إعلان إفلاسها عام 2001. إضافة إلى تجربة شركة إنرون (من أكبر شركات الطاقة في أميركا) السيئة التي هوت في سنة واحدة معلنةً أكبر أزمات الإفلاس في التاريخ الأميركي عام 2001 أيضاً.

وفي هذا الإطار، اعتبر وزني أن أي دراسة لتطوير اقتصاد لبنان ينبغي أن تتضمن تطهيره من الفساد وخلق فرص عمل وتقليل نسبة الهجرة، وتحويله من اقتصاد يستورد إلى اقتصاد مُصدّر، بالإضافة إلى حل مشكلة الفقر والبطالة وغيرهما.

لماذا لم تُكلّف هيئات اقتصادية أو خبراء محليين للقيام بهذه الدراسة؟

يكثر عدد الخبراء الاقتصاديين ومراكز الأبحاث والهيئات الاقتصادية في لبنان، وهم على دراية كبيرة باقتصاد البلاد ومتطلباته. ورغم إعادة تشكيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي مؤخراً بعد تعطيله لمدة 16 عاماً، لماذا لم تستعن الحكومة به؟ خصوصاً بعد أن كشف وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم لـ "النهار" أنّ المجلس يملك دراسة شاملة جهزها برئاسة روجيه نسناس وبالتعاون مع خبراء وهيئات معنية تحدد الرؤية الاقتصادية للبنان، متسائلاً لماذا لم يتم تعديلها أو الإضافة عليها في حال لم تكن جيدة. وأضاف حكيم أنّ حزب الكتائب وضع أيضاً دراسة كاملة وشاملة عام 2015 قدمها للجنة الاقتصادية في البرلمان وللحكومة ووُزعت على الأحزاب والهيئات الاقتصادية، كان مصيرها الأدراج فقط لا غير.

من جهته، ردّ خوري أنّ ماكينزي لن تضع الخطة الاقتصادية، بل ستكون مهامها استشارية. "الحكومة اللبنانية ستضع الخطة، مع المجلس الاقتصادي الاجتماعي"، مؤكداً على دور الشركة الايجابي في هذا المجال نظراً لخبرتها الواسعة في إنشاء تقارير لدول بُنيتها تشبه لبنان.

هل سيتمكن لبنان من تحقيق خطط ماكينزي؟ 
"رغم أنّ عذر المعنيين بأنّ كلفة استشارة ماكينزي تبلغ فقط مليون و400 ألف دولار أميركي"، بحسب حكيم، لكنّه اعتبر أنّ الأمر هدر للمال العام، متسائلاً: "هل فعلياً نحن قادرون على القيام بالتغييرات التي تطلبها الشركة في حال كانت تغييرات إدارية؟" كما أشار إلى أصوات الاقتصاديين المحليين الذين أكدوا استعدادهم لتقديم دراسة اقتصادية مجاناً، لماذا لا يتم اللجوء إليهم والتعاون مع المجلس الاقتصادي الاجتماعي؟

من جهةٍ أخرى، ليس خفياً أنّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إضافة إلى جهات عالمية أخرى، قدمت توصيات وخطوات إصلاحية للحكومة اللبنانية لم يُنفذ منها إلا القليل القليل الذي لا يكفي لإنشاء اقتصاد فعّال. وليس خفياً أيضاً أنّ للبنان هيكلية سياسية تساهم في رؤيته الاقتصادية "إن كانت موجودة"، منعته خلال العقدين الماضيين من تجاوز الخلافات والمضي قدماً. بينما أكدّ الوزير خوري أنّ الهدف من الخطط التي ستقدمها ماكينزي أن تعتمدها الدولة اللبنانية لا أن تكون مرتبطة بحدث معيّن، موضحاً أنّه في حال اتفق كل الأفرقاء السياسيين على الخطط، لن يكون هناك مشكلة في تطبيقها. لكن التاريخ يشهد أنّ التوافق بين الأطراف لم يحصل لأكثر من أشهر، وبالتالي يُطرح السؤال حول إمكانية لبنان تحقيق النصائح التي تقدمها ماكينزي مستقبلاً. في حين يبقى الجواب رهناً بالأحداث السياسية والأمنية المرتقبة.