تَرتدي المعركة في دائرة كسروان- جبيل طابعاً أكثرَ حماوةً بعدما كانت دائرة البترون- بشرّي- الكورة-زغرتا تسرق الأضواء من أخواتها، الدوائر المسيحية الأخرى. ويخوض «التيار الوطني الحر» معركة إثبات قوة، بينما تُحاول بقية القوى المسيحية الدخول في معركة إثبات وجود من خلال كسب مقاعد في الدائرة التي كانت «عاصية» عليها
 

على رغم أنّ القانون الإنتخابي الجديد القائم على أساس النسبية يَسمح بتمثيل مختلف القوى السياسية في الندوة البرلمانية، إلّا أنّ الأمورَ في دائرة كسروان- جبيل تتَّجه نحو مزيدٍ من الحدّية، خصوصاً أنّ الزعامات المارونيّة تنطلق من هذه الدائرة وتأخذ شرعيّتها الشعبية والمارونية من الأصوات والمقاعد التي تحصدها.

وما يلفت الإنتباه أكثر هو تركيز التيار العوني على كسروان وترك معركة قضاء جبيل لأهلها. وتبقى الحساباتُ ملكة اللعبة الإنتخابية لأنّ المعركة ستتركّز على الكسور. واللافت أيضاً، أنّ التيار العوني يشكّل لائحةً قويّةً جداً في كسروان ما سيؤثر على حصته في جبيل.

وبما أنّ القانون الجديد يقوم على اختيار النواب على أساس نسبة الأصوات التفضيلية، فإنّ قوة لائحة كسروان التي ينوي العميد شامل روكز تأليفَها وفي حال نجح في ضمّ النائب السابق منصور البون وبعض الشخصيات الأخرى إليها، ستؤثر على مرشحي «التيار» في جبيل وذلك لأسباب عدة.

من حيث المبدأ، إنّ ارتفاعَ نسبة التصويت لأيِّ لائحة سيمنحها مقاعد أكثر، لكنّ الأكيد أنّ أحداً من القوى السياسية المسيحية لن يستطيعَ نيل كل المقاعد مهما كانت الدائرة، ومعلومٌ أنّ العونيّين حصدوا مقاعدَ جبيل الثلاثة، وكسروان الخمسة، في دورتي 2005 و2009 وفق النظام الأكثري.

وقد نالت لائحتُهم في جبيل في الإنتخابات الاخيرة ما معدّله 28 ألف صوت مع تصويت أكثر من 90 في المئة من الشيعة لصالحهم، فيما حصَدت لائحة «14 آذار» نحو 20 ألف صوت كمعدّلٍ وسطي، غالبيّتهم الساحقة من المسيحيين.

ومعلومٌ أيضاً أنّ المرشح الشيعي القوي المدعوم من «حزب الله» سواءٌ انضمّ الى تكتل «التغيير والإصلاح» أو كتلة «الوفاء للمقاومة» سيكون على لائحة العونيّين. وإذا قسّمنا أصوات الفريقين، من دون الصوت الشيعي، على مرشَّحين يتعادل الجميع، فيما ترتفع حظوظ «القوات» بعد إنضمام رئيس بلدية جبيل السابق زياد الحواط إليها.

والجدير ذكره، أنّ جبيل التي تضمّ 3 مقاعد يبلغ عدد ناخبيها نحو 82 ألف ناخب، بينهم 17 ألف ناخب شيعي وألفا ناخب سنّي، بينما كسروان التي فيها 5 مقاعد يبلغ عدد ناخبيها نحو 94 ألف ناخب.

وبالعودة الى تركيب اللوائح، هناك 3 لوائح بارزة حتى الساعة. ففي جبيل سيكون زياد الحواط مرشح «القوات» الماروني الوحيد على لائحة «القوات» من حيث المبدأ، فيما سيكون النائب السابق فارس سعيد مع المستقلّين، وستتركّز الأصوات التفضيلية الجبيلية عليه. أما التيار العوني فلديه حتى الساعة مرشحان مارونيان هما النائبان سيمون ابي رميا ووليد الخوري.

ويعود سببُ خوض «التيار» الانتخابات بمرشَّحَين مارونيَّين الى أنّ أبي رميا يمثل الجرد، والخوري يمثل بلدة عمشيت والجوار، وتلك البلدة لا تقبل بالتخلّي عن تمثيلها وخروجها من نادي بلدات الزعامات المارونية خصوصاً أنها تشكّل العاصمة السياسية لبلاد جبيل.

وبالتالي، سيتوزّع تصويتُ العونيين على أبي رميا والخوري، وبما أنّ الحواط يتقدّم في جبيل، وسعيد يُحافظ على حيثيته وخطابه، ستنقسم أصوات العونيين التفضيلية، فيما الصوت الشيعي لن يشكّلَ خشبة الخلاص لهما لأنه سيعطي مرشحه الشيعي.

ووسط الإنقسام العوني الجبيلي، وقوة لائحة «التيار» في كسروان، فقد ينال مرشّحو روكز الكسروانيون الحصة الأكبر من الأصوات التفضيلية والمقاعد. ومهما بلغت نسبة تأييد العهد، وحتى لو وصلت عند المسيحيّين الى الـ60 في المئة، بارتفاع 10 في المئة عن الدورة الأخيرة، فهذا يعني أنّ لائحة العونيين ستُخرَق بثلاثة مقاعد.

وبما أنّ الصوت الشيعي سيصبّ في جبيل لصالح مرشحه، يبدو أنّ الخرقَ سيكون عندها بمقعد في كسروان في حال انضمّ البون، ومقعدَين في جبيل، على الأرجح سيكونان المقعدَين المارونيَّين، لأنّ البلوك الشيعي ثابت وسيفوز بمقعده، فيما سيمنح تركيز «التيار» على مرشح ماروني واحد في جبيل أفضلية للإحتفاظ بأحد المقاعد المارونية لكنه سيخرق حينها في كسروان بمقعدَين.

وأمام هذا الواقع، سترتفع حظوظُ الحوّاط وسعيد بالخرق كل ضمن لائحته، فيما سيكون «التيار» هو الخاسر الأكبر مارونياً في جبيل، مع العلم أنّ عددَ المقترعين في كسروان لا يفوق كثيراً جبيل، وبالتالي فإنّ النقطة الأهم التي تلعب لصالح الحواط وسعيد هي أنّ حلفاءَهم الكسروانيين ليسوا أقوياء بمقدار حلفاء نواب جبيل العونيين.

كل تلك الأرقام تبقى نظرية، لأنّ صندوقَ الإقتراع هو الذي يقرّر في النهاية، وقد تختلف النتيجة في أيِّ لحظة، وقد يخرج العهد خاسراً أو ربما يعيد موجة «تسونامي» العام 2005، وقد يتقدّم خصومُه أو يتراجعون، كل ذلك ولم يُدخل أيٌّ من القوى السياسية «سيدة حريصا» بعد في حساباته مثلما حصل في انتخابات 1968 عندما استدارت في اتّجاه لوائح «الحلف الثلاثي» الذي أسقط النهج الشهابي حينها.