يستحيل على العبادي مواجهة هذه الحيتان خاصة وإن اجتمعت ضدّه بقدرة قادر ايراني يرى في المشهد العراقي ما لايراه العبادي الباحث عن عراق آخر غير العراق
 

قال رئيس وزراء العراق حيدر العبادي أنه سيخوض الانتخابات النيابية بالقوى التي خاضت معه معارك تحرير العراق من تنظيم داعش والقوى النظيفة التي لم تتلوث بسرقة المال العام وبالقوى الوطنية العراقية الخارجة عن الطائفية المريضة والبغيضة وهو بذلك يتبع ديدن كل الفاتحين والمنتصرين الذين حولتهم الحروب المنتصرة الى أبطال قوميين يتجاوزون حدود أحزابهم فيخرجون منها بقوّة نحو أفق وطني أوسع ما دام القيد الحزبي أو الجهوي مقيد لشحصية بات دورها بحجم دولة ولم يعد دوراً بحجم مصالح محدودة متعلقة ومتصلة بخيارات جماعة لا بخيارات أمّة .
هذا الوعي العراقي للعبادي يقرر سلفاً حجم المواجهة مع التيارات الشيعية قبل التيارات الطائفية الأخرى اذ لا يوافق على رؤية الرئيس العراقي ولا شيعي حزبي من حزب الدعوة الذي ينتمي اليه الى المجلس الأعلى والتيّار الصدري ومن بين هذه الأحجام من أحزاب ككتائب حزب الله العراق الى الحشد الشعبي الذي سيبقي دوره مفتوحاً على الحياة السياسية العراقية باعتباره طليعة المحررين للعراق وهو لم يولد كيّ يتم حذفه من الخارطة العراقية طالما أن دواعي وجوده ضرورية للمحافظة على المنجز العراقي لضعف المؤسسات الرسمية العسكرية عن ضمانة الأمن في مرحلة قادمة على الاستهدافات المباشرة كما هو انفجار الأمس في بغداد .

إقرا ايضا: العبادي ومغارة اللصوص

ثمّة ما هو أصعب من داعش ولا يمكن التغلب عليه كونه يتمتع بشرعية وطنية وقومية ودينية وبالتالي يستحيل على العبادي مواجهة هذه الحيتان خاصة وإن اجتمعت ضدّه بقدرة قادر ايراني يرى في المشهد العراقي ما لايراه العبادي الباحث عن عراق آخر غير العراق الذي تعتمل فيه الطائفية والمذهبية وطبيعة المحاصصة السياسية التي أغرقته في أزمات أقلها أزمة الفسادين المالي و الإرهابي .
من هنا يصبح كلام العبادي فوق سطح الانتصار سلاحاً بوجه الجميع خاصة وأن القوى السياسية العراقية قوى مصروفة لهم آخر غير هم العبادي فهم لا يريدون دولة بمعايير الدول السيادية بل مزرعة يتقاسمون فيها خيرات النخيل كونهم مجرد بدو ولم يدخلوا بعد طور المدنية وتبدو عجلة العبادي في تصحيح المسار السياسي للعراق خطوة مضرة كونها غير منسجمة مع طريق العراق الملتوي والمحفر وإن كان يلتقط لحظة تاريخية مناسبة ويجب استغلالها ليحصد في السياسة ما تمّ زرعه في العسكر ولكن هذا ما ينطبق على أحوال بلد غير العراق كونه بلداً محكوماً بعدة سقوف داخلية وخارجية ومن الصعب اختراق سقف من سقوفها ولكن محاولة العبادي تحتاج الى حيلة أي الى تدبير يحمي العبادي من مهمة صعبة وشاقة ويبدو ما سماه ائتلاف النصر تدبير جيد كونه يعتمد على قوى وقواعد غير مُطيفة وذات جذور وطنية تسعى نحو ولادة عراق عابر للطوائف واعتقد أن في تغيير بنية النظام السياسي اتساع لرقعة الحالة الوطنية العراقية ودون ذلك سيبقى النظام الطائفي عصي على كل من يحاول خلق عراق جديد بذهنية جديدة لا يشعر فيها الشيعي بأنه الحاكم ولا السُني بأنه محكوم  بل أن العراقيين جميعاً على درجة واحدة من المساواة في الحقوق والواجبات .

إقرا أيضا: أبو مازن : السلطة محتلة والمقاومة سلمية

نحن أمام مرحلة اختبار طويل لبلد قدّر له أن يعاني ما يعانيه لبنان من نظام طائفي يرغب بالطائفة أكثر مما يرغب بالدولة خاصة وأن مشاكل العراق المكثفة والمعقدة ستأكل من دعوات العبادي وستحرقها عند أوّل تجربة طالما أن الشعب في أوج نشاطه الطائفي وغليانه المذهبي وللتخفيف من حدة هذا الغليان حاجة ماسة لأدوات ضخمة لإطفاء النيران المشتعلة في دواخل العراقيين واستخدام دين ضدّ دين أي مواجهة فتاوى التحليل بفتاوى التحريم ويبدو أن المشتغلين في الحقل الديني من مرجعيات حزبية لا تتبنى الا فتاوى الكره والقتل . لقد وضع حيدر العبادي نفسه في مواجه مهددة له وهو بذلك قد أباح دمه لينصر العراق فهل يكون حيدر العراق شهيداً بعد أن كان شاهداً ؟