الجواب عن السؤال دوافع إقدام رئيس الجمهوريّة ميشال عون على التمسّك بمرسوم الأقدميّة ضروري، يقول القريبون من “حزب الله” أنفسهم المُتابعون حركته الداخليّة. لكن قد يكون مُعقّداً الحديث عن دوافع وزير الخارجيّة جبران باسيل التي قد لا تختلف كثيراً عن دوافع عون لأسباب كثيرة معروفة. من دوافع باسيل التي يُقرّها عون توظيف الاشتباك مع برّي في الانتخابات النيابيّة المقبلة. إذ يبدو أن معركتها اتّضحت رغم خوف اللبنانيّين من تعطيلها سواء بتواطؤ “كبار القوم” أو بفعل تحوّل الأزمة المُشار إليها حرباً طاحنة نتيجة أحداث خطيرة داخليّة وخارجيّة. وهي معركة شرسة مسيحيّاً إذ يواجه باسيل و”تيّاره” “تيار المردة” بزعامة النائب سليمان فرنجية وحزب الكتائب برئاسة النائب سامي الجميّل و”القوّات اللبنانيّة” بقيادة الدكتور سمير جعجع والمسيحيّين المستقلّين ومن أبرزهم النائب بطرس حرب. وشعبيّة هؤلاء مجتمعة أكثر وبكثير من 50 في المئة من الناخبين المسيحيّين رغم أن “التيّار” قد يكون وحده الأكثر تمثيلاً من أيّ من هؤلاء. طبعاً قد لا يكون هؤلاء موحّدين لأسباب متنوّعة، لكن يجمعهم هدف واحد هو مواجهة باسيل وتيّاره ومنعهما من تحقيق انتصار كبير أو حتى متواضع. علماً أن ذلك قد تواجهه صعوبات الشرذمة. أمّا الاستخدام فيكون باعادة العصبيّة المسيحيّة إلى الناخبين، علماً أنها لم تضعف فعلاً يوماً، جرّاء الاشتباك مع برّي الهادف إلى استعادة صلاحيّات رئاسيّة قلّصها اتفاق الطائف والأعراف التي رافقته وأعقبته، وإلى تكريس قوّة الرئيس عون في مواجهة الرئاسة الثانية وذلك بعدما نجح، حتّى الآن على الأقل وبمساعدة “حزب الله” الحليف الذي أوصل “التيّار” إلى السلطة، في احتواء الرئاسة الثالثة في الأسابيع أو الأشهر القليلة الماضية. ومن دوافع باسيل أيضاً في رأي القريبين من “الحزب” أنفسهم ترتيب علاقة مسيحيّي تيّاره وغيرهم مع السُنّة التي كانت سيّئة في أثناء نفي عون وبعد عودته ثم ازدادت سوءاً حتّى الأشهر الأخيرة. وحظوظه في النجاح في ذلك مرتفعة في رأيه لاقتناعه بأن “حزب الله” مستمرّ في دعم الرئيس عون وفي حلفه مع “تيّاره”، وبأن التعاون الثلاثي السُنّي – الشيعي – المسيحي يجعله خلفاً لعمّه ورئيسه في قصر بعبدا عندما يحين أوان “الاستحقاق”.

لكن ما لا يعمل باسيل حسابه على الأرجح هو أولاً أن جذب السُنّة إلى حلف مع المسيحيّين يتزعّمه عمليّاً وفعليّاً الشيعة وتحديداً “حزب الله” لن “تبلعه” غالبيّة السُنّة ومرجعيّتهم العربيّة السُنيّة اليوم المملكة العربية السعوديّة. وذلك يُعرقل قيامه. وهو ثانياً أن تأييد السُنّة و”مرجعيّتهم العربيّة” التحالف لا بدّ أن تثير شكوك حليفه الشيعي وصاحب الفضل على تيّاره، وخصوصاً إذا بقيت الحرب الطاحنة دائرة بين “السعوديّة” وإيران الإسلاميّة مباشرة وبالواسطة. ومن شأن ذلك “تصديع” تفاهم 6 شباط 2006. وهو ثالثاً أن “الحزب” لا ينظر بارتياح إلى “البهلوانيّات” السياسيّة وغير السياسيّة لباسيل. إذ يراه يُمتّن علاقاته مع أعدائه وأعداء راعيّته إيران في أميركا وأوروبا والعالم العربي. ويرى تناقض مواقفه “الممانعة” القويّة ومواقف أخرى له في مناسبات عدّة وذلك “يُنقّزه”. وهو رابعاً وأخيراً معرفة “الحزب” أن باسيل وتيّاره يُهدّدان بالانتقام من برّي شريكه في “الثنائيّة الشيعيّة” بعد الانتخابات النيابيّة، وذلك بحرمانه رئاسة مجلس النوّاب إذا ترشّح فيها. وهذا أمر لا يقبله “الحزب” في أي شكل، وخصوصاً في الصراع المذهبي الطاحن محليّاً وإقليميّا. إذ من جهة سيكون المرشّح العوني للرئاسة الثانيّة إذا وُجد غير ممثّلٍ لغالبيّة الشيعة جرّاء الواقع الشيعي الراهن، وسيُعتبر ذلك طعناً للميثاقيّة في الجوهر إن لم يكن في الشكل. ومن جهة أخرى لا يختلف موقف “الحزب” عن موقف برّي و”أمل” من “أزمة المرسوم”. ويتمّ التعبير عنه بانتقاد “الحزب” انطلاق عون والتيّار في “مرسوم الأقدميّة”من عدم قبولهما تولّي الشيعة أكبر ثلاثة مواقع ماليّة في الدولة هي وزارة المال والنيابة العامّة المالية وديوان المحاسبة، وبالإشارة إلى تولّي المسيحيّين وخصوصاً الموارنة عدداً أكثر من ذلك بكثير من المواقع الكبرى الأساسيّة في الدولة.
في اختصار، يقول القريبون من “حزب الله”، أن الشهيد الرئيس رفيق الحريري، وبعدما تحسّنت علاقته به في النصف الثاني من التسعينات وفي ظلّ عدم جودة علاقته ببرّي، طرح على قيادته الاستغناء عن برّي “ما دمنا أنتم وأنا القوّتين الأكبر شيعيّاً وسُنيّاً”. ويؤكّدون أن الطرح رٌفض. وظروف اليوم تجعل رفضه إذا أُعيد طرحه مؤكّداً.