فوجئ أهالي عكار، عندما سمعوا أن الوزير الهمّام جبران باسيل في ديارهم، يتنقل بين مناطقهم المحرومة، من وادي خالد إلى جبل أكروم، مطلقاً سيلاً من التصريحات والمواقف، أثارت الكثير من الشكوك والهواجس، وطرحت العديد من التساؤلات المحيّرة في أوساط العكاريين.
ثمة مَن تساءل عن حقيقة دوافع وأهداف هذه الزيارة الملتبسة، إلى منطقة مزاج أهلها لا ينسجم مع سياسة الزائر، ولا مع منطلقاته الحزبية، ولا مع تحالفاته السياسية.
 وجاء كلام الوزير الزائر في فنيدق، كبرى البلدات العكارية، ليزيد من نفور أهالي المنطقة، ويضاعف شكوكهم تجاه الزيارة وصاحبها، حيث أطلق خطاباً همايونياً، غمز من قناة دول عربية وصديقة، بحجة استعدادها للتدخل في الانتخابات النيابية المقبلة!
الواقع أن مثل هذا الكلام يُشكّل استفزازاً لأهالي عكار الذين يصبرون على الضيم الذي يلاقونه من الدولة، ويحافظون على أوثق العلاقات مع الأجهزة الرسمية، وخاصة المؤسسة العسكرية، التي يرفدونها دائماً بخيرة شبابهم، ولكنهم يرفضون اتخاذ منطقتهم منبراً للتهجّم على العرب، أو التشكيك بالعلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب.
 هذا الرفض العكاري لكلام باسيل عن تدخلات خارجية في الانتخابات النيابية،  يتماهى مع القراءة السياسية لتصريحات الوزير الأبرز في العهد الحالي، والتي تنطوي على نوايا مبيّتة لتأجيل الانتخابات، أو على الأقل تأخيرها، مرّة بذريعة التدخل الخارجي، ومرّات برفع الصوت عالياً لإدخال بعض التعديلات على قانون الانتخابات، بما يتناسب مع حساباته الإنتخابية!
 ولكن المفارقة المحزنة فعلاً، أن رئيس الديبلوماسية اللبنانية يتصرّف مع الأشقاء والأصدقاء، وكأنه في موقع خصومة دائمة مع الجميع، وذلك عوض العمل على رأب الصدع في العلاقات الخارجية، والتركيز على توظيف علاقات الثقة والتعاون بما يخدم المصالح اللبنانية الاقتصادية والوطنية.
ولا نبالغ إذا قلنا أن علاقات لبنان اليوم مع الأشقاء العرب، هي في أدنى مستوياتها، على مختلف الصعد السياسية والإنمائية والاقتصادية، فضلاً عن تراجع الدعم والثقة بالوضع اللبناني، الأمر الذي نتج عنه تجميد لاتفاقات التعاون في تمويل وتنفيذ العديد من المشاريع، وتخفيض حجم الحركة السياحية والاستثمارية باتجاه لبنان، وصلت في بعض الدول إلى حد صدور قرارات صريحة بمنع السفر إلى بيروت، يضاف إليها عدم تشجيع عودة الصادرات اللبنانية إلى الأسواق العربية، وخاصة الخليجية.
ويبدو المشهد اللبناني في بعض العواصم العربية، وكأن ثمة محاولة جدية للابتعاد عن الأجواء العربية، تحت شتى المبررات والذرائع، والاقتراب أكثر وأكثر من المحاور الأخرى في المنطقة، التي يتراوح قوسها الإقليمي بين أنقرة وطهران، وما بينهما من تحالفات ذات طابع عربي.
ويبدو أن الخلل الحاصل في المعادلة السياسية الداخلية، يشكل الخلفية المشجعة لهذا التوجه الخطير، ويوفر له الأرضية المناسبة للاندفاع إلى مغامرات جديدة في السياسة الخارجية، اكتوى اللبنانيون بنيرانها سابقاً، ودفعوا أثماناً باهظة من أمنهم وازدهارهم، كلما حصل مثل هذا الاختلال في السياسة الخارجية.
ومن المستبعد أن يتم إصلاح هذا الخلل، وإعادة التوازن إلى المعادلة الوطنية، من خلال الانتخابات المقبلة، لأسباب عديدة، يبقى أهمها أن القانون الانتخابي بحد ذاته، كان وليد هذا الخلل الفادح في الوضع الداخلي، وانعكاساته المختلفة على مواقع القرار في السلطة.
ولعل زيارة الرئيس ميشال عون إلى الكويت، الأسبوع المقبل، ستشكل فرصة لرئيس الجمهورية ليعاين بنفسه واقع العلاقات المتردّية مع الأشقاء العرب، لا سيما العلاقات اللبنانية - الكويتية، بعد هذا الإهمال المتمادي الذي تعاملت به وزارة الخارجية اللبنانية مع مذكرة الخارجية الكويتية، حول خلية العبدلي.
كلام وزير الخارجية في عكار، أمس، يخدم محاولات عزل لبنان عن محيطه العربي، ومنع الأوكسجين العربي عن أنفاس اللبنانيين!
 فهل من مبادرات إنقاذية قبل فوات الأوان؟