مخاوف الثنائية الشيعية وبالخصوص حركة أمل من التقارب الحاصل بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، يراها البعض مشروعة، في حين يعتبرها آخرون مبالغا فيها لجهة أن أي طرف في لبنان لا يجرؤ اليوم على كسر التوازنات السياسية والطائفية القائمة في البلاد، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المحيطة
 

تتخوف الثنائية الشيعية ممثلة في حزب الله وحركة أمل من التقارب المسجل بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، والذي ترجم في تبنّيهما ذات المواقف من مرسوم ضباط دورة 1994، وأيضا بشأن تطبيق إصلاحات القانون الانتخابي الجديد.

ولئن يركن حاليا حزب الله إلى الصمت، إلا أن حركة أمل بقيادة نبيه بري ارتأت التحرك والتعبير عن مخاوفها، محذرة أوساطها من وجود توجه لإعادة إحياء التحالف السني المسيحي، وما لذلك من تداعيات سياسية على الطائفة الشيعية.

وبدأ التقارب بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر في نهاية العام 2016 حينما وافق سعد الحريري على وصول العماد ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية مقابل توليه رئاسة الحكومة، وذلك بعد فراغ رئاسي تجاوز العامين ونصف العام.

ومنذ هذا الاتفاق يسجل تطور لافت على صعيد العلاقة بين الحريري وعون حيث ظهر الرجلان متناغمين بشكل أزعج الحلفاء والخصوم على حد سواء. وبعد الهزة التي تعرض لها لبنان في الرابع من نوفمبر الماضي حينما أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته بشكل مفاجئ من الرياض، مبررا آنذاك قراره بتدخلات حزب الله الإقليمية وسعي إيران إلى فرض الوصاية على لبنان، نشطت الدبلوماسية اللبنانية خارجيا وداخليا بقيادة الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل.

وقد أثمرت هذه التحركات تراجع الحريري عن استقالته في ديسمبر الماضي مدشنا في الآن ذاته لعهدا جديدا في العلاقات المستقبلية العونية.

ولم يكن رئيس مجلس النواب نبيه بري قلقا في البداية لما يحدث على خط الرابية بيت الوسط، وكان هناك قناعة لديه بأن الحريري سيركن إلى مسك العصا من المنتصف حين يتعلق الأمر بالرئاستين، إلا أن توقيع الأخير مع رئيس الجمهورية على مرسوم ضباط ما يعرف بـ”دورة عون” دون الرجوع إلى مجلس النواب أو حتى عرض المرسوم على وزير المالية علي حسن خليل، أثار غضبه.

ويشعر بري أن هناك مسعى ثنائيا (التيار الوطني الحر والمستقبل) لضرب صلاحيات رئيس مجلس النواب (شيعي) وهذا الأمر دفعه إلى التمسك برفض المرسوم إلى حين توقيع علي حسن خليل (حركة أمل )عليه، في المقابل يصرّ عون على أن لا علاقة للأخير به، مهددا بالمداورة في تولي منصب وزير المالية بين القوى السياسية لأنه ليس هناك أي أثر قانوني ينصّ على ضرورة أن تكون هذه الوزارة من نصيب الطرف الشيعي.

ودأب نبيه بري على التمسك بوزارة المالية وتثبيتها ضمن حصة الطائفة الشيعية وحركة أمل خصوصا، وقد كان السجال عليها خلال تشكيل الحكومة حاميا بيد أن بري نجح في تثبيت ما يريده أن يصبح عرفا.

وقد ردت مؤخرا أوساط بري على تهديد عون باعتماد المداورة في تولي الوزارة، بأنهم سيدفعون إلى تبنّي ذات القاعدة بالنسبة للرئاسات الثلاث.وهذا التحالف الثنائي من شأنه أن يعزز قلق الثنائية الشيعية، التي تعوّل على ما يبدو على موقف المملكة العربية السعودية المتحفظ على التقارب بين الرابية وبيت الوسط، وهذا طبعا غير مضمون. وتقول أوساط سياسية إن تخوّف الثنائية الشيعية وبخاصة حركة أمل التي تبدو اليوم الأعلى صوتا مشروعة، وإن كان لا يجب تجاهل معطى أن أي طرف لا يجرؤ على تجاوز التوازنات السياسية والطائفية القائمة في البلد، وأن قيام تحالف سني مسيحي بالمعنى التقليدي غير وارد.

وتشير هذه الأوساط إلى أن الواقعية السياسية تدفع الحريري اليوم إلى التموضع إلى جانب التيار الوطني الحر، ولكن هذا لا يعني أنه بصدد تشكيل حلف مضاد للثنائية الشيعية، وهو ما برز جليا في تصريحاته الأخيرة لصحيفة وول ستريت جورنال حينما ظهر بثوب المدافع عن حزب الله وحضوره في المشهد السياسي اللبناني.

وقال رئيس الوزراء في أول لقاء له مع وسيلة إعلامية أميركية منذ أزمة استقالته “الباب دوما مفتوح أمام حزب الله للمشاركة في الحكومة، التي من المزمع تشكيلها عقب الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو المقبل”.

ولفت إلى “حزب الله عضو اليوم في حكومة تضم كل الأحزاب السياسية الكبيرة. وهذا أمر يوفر استقراراً سياسياً في البلاد، ويكمن هدفي الأساسي في الحفاظ على هذا الاستقرار من أجل وحدة البلاد”.

ورفض سعد الحريري أي أفكار لمواجهة حزب الله، مشدداً على سعي الأخير لإبعاد لبنان عن الخلاف السعودي- الإيراني بما في ذلك، بالدرجة الأولى، عن طريق وقف حملته الدعائية ضد الرياض وعواصم أخرى في الخليج.

وأضاف “إذا لاحظتم، فإن الهجمات الإعلامية من جانب حزب الله على العالم العربي، خصوصاً دول الخليج، كانت مكثفة بشكل كبير جداً، لكن مستوى كثافتها اليوم أصبح منخفضاً جداً. وهذا أمر إيجابي”.

واعتبر أن وقف حزب الله مشاركته في الأعمال القتالية في الجبهات الإقليمية “سيتطلب وقتاً، لأن ذلك لا يمكن أن يحدث خلال ليلة واحدة”.

وشدد على أن “لبنان ينبغي أن يكون متعدد الطوائف، وليس ساحة للقتال والصراعات بالوكالة، كما كانت في السبعينات، ونرفض أي تدخل أجنبي في البلاد”.

وأكد الحريري “لا نقبل أي تدخل في سياسة لبنان من قبل أي جهة. ويجب أن تكون علاقاتنا مع إيران أو دول منطقة الخليج على أفضل شكل ممكن. لكن من الضروري أن تخدم المصالح الوطنية للبنان”.

ويقول مراقبون إن تصريحات الحريري تعكس حرصه على حماية المشهد السياسي القائم على علاّته، كما أنه لا يمكن تجاهل أن كلامه ينطوي على رسالة عتب غير مباشرة على الرياض، التي عادت العلاقات الدبلوماسية بينها وبين لبنان إلا أنها قد تحتاج لوقت لتأخذ مجراها الطبيعي.

ويشير هؤلاء إلى أن لبنان عموما والمستقبل خصوصا يحتاجان لدعم المملكة خاصة وان التيار مقبل على استحقاق مصيري، وربما أن فتحه لباب التواصل مجددا مع القوات يأتي رغبة منه في إبداء حسن النية تجاه الحليف المسيحي التقليدي وأيضا السعودية.