زعم بعض علماء الدين (وعن درايةٍ وعلمٍ ويقين!) أنّ المؤمن أو المجاهد يفوز بسبعين حورية ولكلّ واحدة منهنّ سبعين وصيفة
 

أولاً: حور عين المجاهدين

في اللُّغة ، الحوراء: الأنثى التي اشتدّ بياضُ بياض عينها وسوادُ سوادها.والعيناء: جميلة العينين.
يوعدُ المجاهدون (وخاصةً الانتحاريون منهم، أو الاستشهاديون حسب مُشغّليهم) بجنّةٍ عرضها السماوات والأرض، ولقاءٍ مع النبي (ص) على غداءٍ أو عشاء والله أعلم، إلاّ أنّ اللقاء المشهود والمُرتجى (والذي تُبذل في سبيله الأرواح)، فهو مع الحور العين، وقد زعم بعض علماء الدين (وعن درايةٍ وعلمٍ ويقين!) أنّ المؤمن أو المجاهد يفوز بسبعين حورية ولكلّ واحدة منهنّ سبعين وصيفة، فيقارب مجموع ما يتمتّع به في الدار الآخرة حوالي خمسة آلاف حورية ووصيفة (ولا فرق يُذكر بين الحورية ووصيفتها ) .

ثانياً: حور العين عند أبي العلاء المعري

يلتقي ابن القارح علي بن المنصور (صاحب أبي العلاء المعري في رسالة الغفران) في الجنّة بحورتين من الحور العين، فإذا بهرهُ ما يراه من الجمال، ويُقبل على كلّ واحدةٍ منهما يترشّفُ رضابها ويقول: إنّ امرأ القيس لمسكين مسكين! تحترق عظامه في السعير، وأنا أتمثّلُ بقوله: 
كأنّ المُدام وصوب الغمام
وريح الخُزامى ونشر القُطر 
يُعلُّ به بردُ أنيابها،
إذا غرّد الطائرُ المُستحر.
القطُر: العودُ الذي يُتبخّر به، والطائر المستحر هو المُصوّت عند السحر.
وقوله:
أيام فوها كلّما نبّهتُها 
كالمسك بات وظلّ في الفدّام
أُنفٌ كلون دم الغزال مُعتّقٌ 
من خمر عانة أو كروم شبام 
الفدّام: المصفاة. وعانة قرية من قرى الجزيرة، والعانية : الخمر، منسوبة إليها. وشبام: حيٌّ من اليمن.
فتستغرب إحداهما ضحكاً. فيقول: ممّ تضحكين؟ فتقول: فرحاً بتفضُّل الله الذي وهب نعيماً، وكان بالمغفرة زعيماً، أتدري من أنا يا عليّ بن المنصور؟ فيقول: أنت من حور الجنان اللواتي خلقكُنّ الله جزاءٌ للمتقين، وقال فيكنّ: (كأنهنّ الياقوتُ والمرجان)،فتقول: أنا كذلك بانعام الله العظيم، على أنّي كنتُ في الدار العاجلة أُعرفُ بحمدونة، وأسكُن في باب العراق بحلب، وأبي صاحب رحىً، وتزوّجني رجلٌ يبيع السّقط، فطلّقني لرائحةٍ كرهها من فيّ، وكنتُ من أقبح نساء حلب، فلمّا عرفتُ ذلك زهدتُ في الدنيا الغرّارة، وتوفّرتُ على العبادة، وأكلتُ من مغزلي ومردني (ضربٌ من العمل اليدوي)، فصيّرني ذلك إلى ما ترى.

إقرأ أيضا : عزل الحاكم لا يتم إلاَّ بشن الحروب!


وتقول الأخرى: أتدري من أنا يا عليّ بن منصور؟ أنا توفيق السوداء التي كانت تخدم في دار العلم ببغداد على زمان أبي منصور محمد بن علي الخازن ، وكنت أُخرجُ الكتب إلى النُّساخ .
فيقول: لا إله إلاّ الله، لقد كنت سوداء فصرت أنصع من الكافور، فتقول: أتعجب من هذا، والشاعر يقول لبعض المخلوقين:
لو أنّ من نوره مثقال خردلةٍ 
في السّود كلّهمُ، لابيضّت السّودُ.
ويمرّ ملك من الملائكة ، فيقول: يا عبدالله أخبرني عن الحور العين، أليس في الكتاب الكريم؟ (إنّا أنشأنهُنّ إنشاءً فجعلنهُنّ عُرُباً اتراباً لأصحاب اليمين) ،فيقول الملك: هُنّ على ضربين: ضرب خلقه الله في الجنة لم يعرف غيرها، وضربٌ نقله الله من الدار العاجلة لما عمل من الأعمال الصالحة، فيقول، وقد عجب ممّا سمع: فأين اللواتي لم يكُنّ في الدار الفانية؟ وكيف يتميزن من غيرهنّ، فيقول الملك، اتبعني، فيتبعه ، إلى حدائق لا يعرف كُنهها إلاّ الله، فيقول الملك: خذ ثمرة من هذا الثمر، فاكسرها ،فإنّ هذا الشجر يُعرف بشجر الحُور.
فيأخذ سفرجلة أو رمانة أو تفاحة، فيكسرها فتخرج منها جارية حوراء، عيناء، تبرق لحُسنها حوريات الجنان، فتقول : من أنت يا عبدالله؟، فيقول أنا فلان بن فلان، فتقول: إنّي أُمنى بلقائك قبل أن يخلق الله الدنيا بأربعة آلاف سنة، فعند ذلك يسجد إعظاماً للّه القدير ويقول: هذا كما جاء في الحديث: أعددتُ لعبادي المؤمنين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت.
ويخطر في نفسه وهو ساجد، أنّ تلك الجارية على حُسنها، ضاوية (أي نحيلة الجسم)، فيرفع رأسه من السجود، وقد صار من ورائها ردفٌ يضاهي كُثبان عالج (رملة البادية على طريق مكة)، وأنقاء الدهناء (الدهناء، سبعة جبال من الرمل على طريق مكة)، وأرملة يبرين وبني سعد، فيسأل بن المنصور ربّه أن يُقصّر بوص (البوص: البُعد) هذه الحورية على ميل في ميل، فيقال له: أنت مُخيّر في تكوين هذه الجارية كما تشاء. فيقتصر من ذلك على الإرادة.
نسأل الله أن لا يرزق الانتحاريّين في الجنة إلاّ بحمدونة ذات الرائحة الكريهة، أو بتوفيق السوداء، أو بتلك التي ردفها يقاس بالاميال.