كتبتُ في “الموقف هذا النهار” الأسبوع الماضي “أن اشتباك عون وبري لن يتحوّل حرباً”، وأن “حزب الله”، شريك “حركة أمل” التي يترأسها الثاني في “الثنائية الشيعية” وحليف “التيار الوطني الحر” ومؤسسه الرئيس عون، يقوم بالمساعي اللازمة من أجل إيجاد حلّ للأزمة أو مخرج منها بعدما صار بعض مفاعيلها أمراً واقعاً. واستبعدتُ تحوّلها حرباً تطيح الانتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل. واستندت في ذلك كله الى حوارات ولقاءات مع عدد من القريبين من “الحزب” ومتابعي حركته الداخلية على تنوّعها وتوسّعها. لكنني أودّ اليوم تعديل بعض الاستنتاجات المُشار إليها، استناداً الى حوارات ولقاءات أخرى مع هؤلاء، وتثبيت بعضها الآخر. فالاشتباك سيستمر الى ما بعد الانتخابات المُشار إليها. والقرار النهائي لـ”حزب الله” في هذا الموضوع هو عدم القيام بأي مسعى أو ربما ايقاف أي مسعى كان بدأه من أجل إنهائه وإزالة أسبابه، وهو أيضاً الحرص بكل الوسائل على عدم تحوله حرباً وعلى عدم تعطيل الانتخابات أياً تكن الذرائع.

ما هي أسباب هذا القرار؟
يعطي القريبون المُشار إليهم أسباباً عدة، أولها إصرار كل من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري على عدم التنازل عن موقفه أياً تكن المساعي أو الضغوط. وثانيها أن الأول وقّع “مرسوم الأقدمية” المتسبّب بالأزمة وصار نافذاً وإن من دون نشره في الجريدة الرسمية. فهل يستطيع أحد إلزام رئيس الدولة بالغاء توقيعه؟ وماذا سيكون أثر ذلك عليه وعلى دوره في الخارج وفي الداخل اللبناني، وكذلك في الأوساط المسيحية التي يعتبر نفسه الأول تمثيلاً فيها والأكثر تمسكاً باستعادة حقوقها؟ بل ماذا سيكون أثره على الدولة ومؤسساتها غير الموحّدة بل “الملزّقة” بالتسويات والمصالح والشركات والمحاصصات؟ وثالث الأسباب موافقته أو بالأحرى عدم اعتراضه على موقف بري من “المرسوم”، وعدم قدرته على كسره بإرغامه على تغيير موقفه وقبول موقف عون، وتحالفه معه في “ثنائية” صمدت رغم كل خلافات ماضي الحرب واشتباكاته أو حروبه وحرصه على استمرار هذا التحالف. إذ أن الطابع المذهبي الذي اتخذه الصراع في المنطقة منذ “الربيع العربي العاصف” يفرض وحدة الشيعة حفاظاً على دورهم وبقائهم. وثالث الأسباب هو أيضاً أن بري و”حركة أمل” لهما حيثية شعبية مهمة في الوسط الشيعي اللبناني. وقد اثبتا ذلك في غير امتحان سياسي وانتخابي. وهذا أمر لا يمكن أن يتجاهله “حزب الله” وخصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تجتازها المنطقة وحروبها غير المنتهية والمعرّضة دائماً الى تغيير مسارات سيرهما جرّاء قيام عوامل دولية وإقليمية. وقد لا يكون التغيير ايجابياً بالنسبة اليهما معاً والى طائفتهما. وثالث الأسباب هو أخيراً أن الرئيس بري لم يخلّ يوماً بالتحالف لأسباب مبدئية وأخرى تتصل بالمصلحة العامة للشيعة وأحياناً للبلاد. إذ أنه تجاوب مع قرار “حزب الله” سحب وزرائه من الحكومة لإسقاطها عام 2011 على الأرجح، رغم أنه لم يكن متحمساً له أو ميّالاً إليه ودائماً انطلاقاً من حرصه على وحدة الصف الشيعي. وهذا الواقع يدفع الى طرح سؤال مهم هو: ماذا يفعل “حزب الله” إذا قرّر بري، بعد تصاعد الاشتباك جراء استمرار أزمة المرسوم من دون حلّ، سحب ممثليه في الحكومة منها؟ طبعاً قد يحاول قادته الحؤول دون ذلك، لكن هل يستطيعون مجاراته بسحب وزيريهما مثلما فعل هو قبل سنوات في حال وصلت الأزمة الى هذه المرحلة؟ علماً أن الظروف الحالية الداخلية والاقليمية أكثر خطورة من السابق.

وهل هم قادرون على السماح أو التسبّب بانقسام الموقف الشيعي؟ في أي حال لبري تاريخ سياسي وشعبي حافل وإرث ضخم كوّنه الإمام المغيّب موسى الصدر، ومن رحم هذا الارث السياسي والشعبي والديني خرجت زعامات وأحزاب وحركات من بينها “حزب الله”. كما أنه أمضى في السلطة عقدين ونصف وفي العمل السياسي زهاء عقد قبل ذلك. ولا يمكن تجاهل إنجازاته السياسية في نظر الشيعة على الأقل إذا لم يكن في نظر لبنانيين من مكوّنات أخرى. أما رابع الأسباب وآخرها فهو وجود “همهمات” داخل المؤسسة العسكرية وفي أوساط ضباطها جرّاء الاستنسابية في “مرسوم الأقدمية”. و”حزب الله” يتفهمها لكنه لن يقدم على أي موقف يؤثر سلباً عليها، وعلى الاستقرارين السياسي والأمني في البلاد وإن هشّيْن.

ما هي دوافع الرئيس عون لوضع “مرسوم الأقدمية” والتمسّك به؟ وماذا كان على رئيس الحكومة سعد الحريري أن يفعل؟