رغم إعلان الحرس الثوري، الأربعاء الماضي، نهاية “الفتنة” في إيران من خلال وأد النظام الإيراني للاحتجاجات الشعبية السلمية بآلته الأمنية عبر شنه حملة اعتقالات وبضغطه على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه لن ينجح في إخماد الغضب الإيراني الذي لا يستبعد متابعون أن يتأثر بالثورة السورية خاصة لاتساق الحليفين الإيراني والسوري في الرد على الاحتجاجات بالاعتماد على القوة، ما يجعل عرش دولة المرشد مهددا، أمام ضغوط دولية تضيّق الخناق على النظام الإيراني، بسبب إصراره على التعسف في ملف حقوق الإنسان ولاعتماد الإدارة الأميركية الجديدة استراتيجية صارمة ضد طهران انتقدت فيها مرونة الرئيس الأسبق باراك أوباما حيال إيران، واعترفت فيها بأنها لن تكرر أخطاء الماضي خاصة في ما يخص الحركة الخضراء، موجهة بذلك رسالة إلى المجتمع الدولي بدعم بوادر التغيير في المشهد الإيراني
 

 تهدد سياسة القمع التي ينتهجها نظام الحكم في إيران ضد الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي طالت البلاد، والمنددة بالأزمة الاقتصادية نتيجة رفض المحتجين التكلفة الباهظة للدور التخريبي لبلادهم عقب تدخلها في شؤون الدول المجاورة، بتواصل التصعيد ضد دولة المرشد الذي لا يستبعد متابعون أن يكون مصير نظامه شبيها بنظام حليفه بشار الأسد في سوريا.

ويبدو الارتباك جليا في المشهد الإيراني، ففي الوقت الذي عقد فيه مجلس الشورى الإيراني جلسة مغلقة صباح الأحد خصصها لمناقشة الاضطرابات الأخيرة في البلاد، فيما نظمت تظاهرات تأييد جديدة للسلطات في عدد كبير من المدن، تلوح الاضطرابات الاجتماعية المتواصلة في المدن الإيرانية مختلفة عن الأزمات السابقة حيث تحولت إلى حراك ضد النظام برمته، وتنبئ ببداية ربيع إيراني يصنعه الإيرانيون في الداخل رفضا لسياسات قادتهم في الخارج.

وبحث اجتماع مجلس الشورى أسباب الاحتجاج ورد السلطات، فيما ناقش النواب مشروع الموازنة للسنة الإيرانية التي تبدأ في مارس القادم. وناقش النواب أيضا مسألة القيود المفروضة على شبكة تلغرام الاجتماعية، الأكثر شعبية في إيران، خلال الاضطرابات التي أسفرت إجمالا عن 21 قتيلا، معظمهم من المتظاهرين، حسب قول السلطات الإيرانية.

ورغم أن الحرس الثوري أعلن، الأربعاء الماضي، نهاية “الفتنة” والرد بموجة قمع وبمظاهرات تأييد للنظام، إلا أن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران لا يواجه تهديدا داخليا جديا خلال العقود الأربعة الماضية مثلما يبدو في الوقت الحالي. فرغم أن الاحتجاجات ليست الأولى من نوعها، وسبقتها احتجاجات عديدة تطورت في بعض الأحيان إلى أزمات سياسية، إلا أنها في مجملها لم تكن بنفس القوة والانتشار الذي اتسمت به الانتفاضة الحالية.

وما يزيد من تأثيرها أن النظام لا يمتلك خيارات متعددة للتعامل معها والحد منها، على نحو ما فعل في مراحل سابقة، وباتت الظروف الداخلية والإقليمية والدولية تفرض ضغوطا ليست هينة على استخدام الأداة الأمنية كحل وحيد، في رؤية النظام، لاحتواء ما يجري من مظاهرات منددة ليس فقط بفشله في معالجة الأزمات الاقتصادية وإنما أيضا بإصراره على استخدام موارد الدولة في تعزيز حضوره في الخارج على حساب الداخل.

وطلبت الولايات المتحدة عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضي، لبحث مسألة التظاهرات الأخيرة، واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ارتكبت “خطأ جديدا” عندما رفعت مسألة التظاهرات الأخيرة التي جرت في إيران إلى مجلس الأمن الدولي.


الرد باستخدام القوة

يدرك النظام أن الإفراط في استخدام القوة للتعامل مع المحتجين يمكن أن ينتج تداعيات عكسية، وقد يساهم في تطور المسألة إلى أزمة حقيقية تمس شرعية حكمه، على غرار ما حدث في أزمة عام 2009، عندما كانت “الحركة الخضراء” أول من رفع شعار “الموت للدكتاتور”، في إشارة إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي تحديدا.

انتهاكات حقوق الإنسان في طهران ستسهم في تضييق الخناق على النظام الإيراني على مستوى إقليمي ودولي
وكان هذا الشعار عنوانا رئيسيا للاحتجاجات الحالية، ما يطرح دلالة مهمة تتمثل في أنها تجاوزت نطاقها الاقتصادي الضيق الذي بدأت به ووصلت إلى أفق سياسي أكثر اتساعا ويحظى في الوقت نفسه بزخم خاص، ربما يدعم قدرتها على استقطاب المزيد من المحتجين خلال الفترة القادمة، لا سيما في المناطق التي تقطنها القوميات العرقية والأقليات المذهبية.

ويصب تجدد الأزمة في الوقت الحالي في غير صالح النظام، مع إقباله على استحقاق سياسي وديني مهم خلال الفترة القادمة، هو اختيار خليفة للمرشد خامنئي، الذي يعاني من مشكلات صحية وتقدما في السن.

والمشكلة الكبرى تكمن في أنه لم ينجح حتى الآن في احتواء ما يمكن تسميته بـ”بقايا” الأزمة السياسية التي اندلعت عام 2009، بدليل عدم قدرته على حسم ملف الإقامة الجبرية المفروضة على قائدَيْ “الحركة الخضراء”، وهما مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وإصراره على ضرورة تقدمهما باعتذار “عما اقترفاه بحقه” قبل أن يبت في مصيريهما، بل وتهديد بعض المتشددين من أقطاب تيار المحافظين بإخضاعهما لمحاكمة وإصدار حكم بالإعدام ضدهما لقيادتهما ما يطلقون عليه “تيار الفتنة” في إيران.

كما أن النظام قد لا يستبعد إمكانية أن يؤدي الإسراف في التعامل أمنيا مع الاحتجاجات إلى تكرار ما حدث في سوريا، باعتبار أن السياسة القمعية التي تبناها نظام الرئيس السوري بشار الأسد في التعامل مع الاحتجاجات التي بدأت في مارس 2011 كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تمددها وانتشارها في المحافظات السورية المختلفة، بعد أن فقد النظام تدريجيا سيطرته على مناطق واسعة في تلك المحافظات.

بمعنى آخر يبدي النظام الإيراني تخوفات من أن تكرار ذلك في حالة إيران، على نحو ما بدأت مؤشراته في الظهور بالفعل، قد يضعف من سيطرة أجهزته الأمنية ومؤسسته العسكرية بشكل تدريجي، ويدفع المحتجين إلى رفع سقف أجندتهم السياسية وممارسة ضغوط أكثر قوة على النظام من أجل تنفيذها.

وما يصعد من حدة هذه الأزمة الحرجة التي تواجه النظام هو أن ثمة اهتماما دوليا بارزا بما يحدث داخل إيران، بشكل لا يوفر للأخير بدائل متعددة للتعامل معه، وهو ما جسده اجتماع مجلس الأمن الأخير حول التظاهرات في إيران.

لكن هذا الاجتماع المثير للجدل أظهر انقسامات عميقة بين موسكو وواشنطن وخلافات بين أعضاء مجلس الأمن الـ15.


استخدام القوة القصوى لقمع الاحتجاجات

ملفات خلافية

تحولت انتهاكات حقوق الإنسان إلى أحد الملفات الخلافية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بعد تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامها في 20 يناير عام 2017. كما أنها ستسهم في تضييق الخناق على النظام الإيراني على مستوى إقليمي ودولي.

ويتوازى ذلك مع توجيه واشنطن إشارات متعددة تفيد دعمها للدعوات التي تظهر بين حين وآخر لتغيير نظام الحكم في طهران، لدرجة وصلت إلى حد الإعلان عن أن ذلك يمثل أحد أهداف الإستراتيجية الأميركية الجديدة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب في أكتوبر الماضي. ويمثل ذلك أحد محاور الخلاف بين إدارتي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والحالي دونالد ترامب حول موقفهما من إيران، فالأولى تغاضت إلى حد كبير عن الانتهاكات التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية والحرس الثوري في التعامل مع قادة وأنصار “الحركة الخضراء” عام 2009، لتعزيز فرص نجاح مفاوضاتها السرية والعلنية مع طهران حول البرنامج النووي وعدم دفع الأخيرة إلى إيقافها.

في حين أن الثانية اعتبرت أن ما يحدث الآن يعد دليلا على أن “الأنظمة القمعية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد” حسب ما جاء في تغريدة للرئيس ترامب، الذي زاد على ذلك بتأكيد أن “زمن التغيير في إيران قد حان” قبل أن يشير نائبه مايك بنس إلى أن الإدارة الأميركية لن تكرر أخطاء الماضي، في إشارة إلى سياسة أوباما المهادنة لإيران بشكل كبير.

وأضاف بنس في تغريدة على موقع تويتر”مادام الرئيس ترامب رئيسا وأنا نائبا له لن نكرر الأخطاء المعيبة عندما تجاهل الآخرون المقاومة البطولية من جانب الشعب الإيراني ضد النظام الوحشي".

ورغم أن النظام سعى إلى استغلال تصريحات المسؤولين الأميركيين لتعزيز موقفه وتقليص الزخم والأهمية التي اكتسبتها الاحتجاجات، إلا أنه يدرك أن تركيز واشنطن على ما يحدث في الداخل لا يوفر له هامشا واسعا من الحركة، على غرار ما كان يحظى به في عهد أوباما.

ويمكن أن تستثمر واشنطن ما يحدث من أجل ممارسة ضغوط أقوى على النظام، بمطالبة المجتمع الدولي بفرض عقوبات دولية على قادته ومسؤوليه الرئيسيين، بشكل سوف يدخل إيران مرحلة جديدة من العزلة الدولية.

لكن ذلك لا ينفي أن النظام قد يتجاوز تلك المخاوف ويلجأ إلى آليته الأمنية الثقيلة في لحظة ما، في حالة إذا اعتبر أن الاحتجاجات لن تتوقف، وستتطور إلى درجة غير مسبوقة تحرجه وتنتج أزمة حقيقية له، خاصة أنه من المتوقع ألا تتمكن الحكومة من تلبية مطالب المحتجين، ليس فقط بسبب تراجع قدرتها على تنفيذ برامجها الاقتصادية والخلافات المتعددة مع الإدارة الأميركية، وإنما بسبب تورطها في مستنقع الصراع بالمنطقة.