جماعة تميّزت في مقال التشيع الإيراني منذ خمسينيات القرن الماضي. حاربت البهائيين والشيوعيين، واصطدمت بالإمام الخميني الذي اتهمها بالتحريض على أهل السنة. رفضت نظريته في ولايته الفقيه واعتبرتها معيقة لظهور الإمام الغائب.

اتُهمت بأنها تطرح نفسها كجماعة تمتلك مفاتيح تعجيل ظهور هذا الإمام. واتُهم الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بالانتساب لها، أو بتكرار أفكارها. وكثيراً ما تُتهم شبكات ترتكب أعمال عنف في إيران بالانتماء لها. فمن هي هذه الجماعة، "الجمعية الحجّتية الخيرية المهدوية"؟

النشأة: تحت إشراف الشرطة السرية
نشأت الجماعة الحجّتية في إيران في مرحلة ما بعد إطاحة الشاه محمد رضا بهلوي، بإشراف من المخابرات الأمريكية والبريطانية، بحكومة الدكتور محمد مصدّق في 19 أغسطس 1953.

في هذه المرحلة التي أعقبت مباشرة سقوط مصدّق، وقيام حكومة الجنرال الانقلابي فضل الله زاهدي، لم تكتفِ خطّة الشرطة السرية (السافاك) بشعارات محاربة الشيوعية، ووصم عهد مصدّق بها، رداً على قراراته التأميمية للنفط، بل عملت على تشكيل تقاطع مع قسم من المؤسسة الدينية، وذلك من خلال التعبئة مجدّداً ضدّ الطائفة البهائية.

قاد آية الله بروجردي هذه الحملة من أعلى المؤسسة الدينية ضدّ البهائيين، إلا أنّ الجمعية التي تشكّلت خصيصاً لهذا القصد، وحملت تسمية "جمعية مكافحة البهائية" كانت تلك التي تشكّلت حول الشيخ محمود الحلبي الخراساني الذي باشر نشاطه هذا في مدينة مشهد ثم انتقل به إلى طهران.

رغم اكتفائها رسمياً بالعمل الدعوي فقط للردّ على البهائيين ودحض معتقداتهم، إلا أن جماعة الشيخ محمود حلبي هذا كانت وراء هدم عدد من المراكز البهائية، وأعمال عنف ضد البهائيين منذ منتصف الخمسينيات.

تسهيل ظهور المهدي
ما أهمية هذه التعبئة ضد الأقلية البهائية، تحت إشراف الشرطة السرّية للشاه، والمؤسسة الدينية الرسمية؟ ولماذا سيفضي الأمر إلى نشأة جماعة دينية متميزة داخل مساحة التشيّع الإيراني هي الحجّتية؟

بالتأكيد لم تكتف جماعة الشيخ محمود الحلبي بالعمل ضد البهائيين، لكنها أدرجت هذا العمل في إطار تصوّر عام عن غيبة الإمام الثاني عشر، الإمام المهدي. فبما أن البابية ثم البهائية اعتبرتا أن زمن الغيبة قد ولى، وأن المهدي قد ظهر من خلال "الباب" محمد رضا الشيرازي أو الميرزا حسين علي نوري الملقب ببهاء الله.

وبما أن البهائية تحديداً تتبنى خطاباً كونياً دينياً يناهض مرجعية رجال الدين الشيعة، اعتبر الحجّتيون أن الكفاح لاستئصال البهائية هو كفاح لاستئصال عقبة تعترض الظهور الحقيقي للإمام المهدي، الحجة إبن الحسن العسكري. اتّخذوا من تسمية الحُجة، في إشارة إلى المهدي، إسماً لحركتهم، رغم أن الجمعية الخيرية الحجتية المهدوية لم تعتمده رسمياً إلا في نهاية السبعينيات.

أكثر من هذا، اعتبر الشيخ محمود حلبي أن الإمام المهدي جاءه في المنام، وأنّ الإمام المهدي هو الذي طلب منه محاربة البهائية، وأظهر له أن البهائية بدجلها وافترائها على صاحب الزمان إنما تعترض سبيل ظهوره.

من هنا، تتضح خاصيتان بالنسبة للجماعة الحجتية: إنها جماعة تتسمى باسم الإمام الحجة، كونها تطرح على نفسها مشروع تسهيل ظهور هذا الإمام، الذي تعتبره الشيعة الأثنا عشرية عائشاً بيننا رغم الغيبة الكبرى، ونحن لا نراه بسبب ما نحن غارقون فيه من مظالم ومعاصٍ.

تسهيل ظهور الإمام المهدي يعني إزالة العقبات التي تعترض ظهوره. مثلاً: البهائية، أو الشيوعية، أو الوهابية، أو نظرية ولاية الفقيه عند الإمام الخميني، وهي أربع حالات جد مختلفة لما تصادمت معه الجماعة الحجّتية منذ الخمسينيات إلى اليوم.

 

الاتصال بالمهدي في المنام
الخاصية الثانية أنّ مؤسس الحجّتية، وأجيالها المتعاقبة، يشدّدون على أن الإمام المهدي يظهر في زمن الغيبة للمختارين من شيعته من خلال المنامات. يعتمد هذا على التصور الديني الذي اقتبسه الحلبي عن آية الله اصفهاني.

هو تصور يرفض أن يكون المدخل الرئيسي لمعرفة الحقائق الإلهية هو الفلسفة أو المنطق أو العرفان، ولا يكتفي بتأصيل المنهجيات الفقهية كما يفعل المجتهدون "الأصوليون"، ولا على حشد المرويات المتناقلة عن الأئمة كما يفعل "الأخباريّون"، إنما يعطي دوراً بارزاً لتوجيهات الإمام الغائب، في عصر الغيبة الكبرى، لجماعته، أولاً بأول، من خلال ظهوره في منامات نخبة من رجال الدين.

يقتضي هنا التنبه إلى أن ثمّة تصوّراً شائعاً عن الحجّتية في إيران أو في خارجها، يتهمها بأنها تعمل على "تعجيل" علامات ظهور المهدي، أو بأنها تعوّل على تمادي المظالم والمعاصي وتعتبر أنه كلما غرقت الأرض بها اقترب الفرج.

ليس هذا ما تقوله الجماعة. لا تعتبر الجماعة أنها تخرج عن "انتظار" ظهور الإمام الغائب، مثلها مثل غيرها من الشيعة الإثني عشرية، لكنها تميّز بين من يقوم بوضع عراقيل دون هذا الظهور، وبين من يقوم بإزالة هذه العراقيل، وتعتبر أن المهدي نفسه، هو الذي يرشد السبيل في هذا المجال.

ولم يكتف زعماء الحجتية بالإنباء عن ظهورات المهدي لهم في المنام، إنما أخذوا يجمعون من مختلف أنحاء إيران الأخبار عن ترائيه، هنا أو هناك.

الاصطدام بالخميني... والتكيف مع نظامه
نشأت الجمعية منتصف الخمسينيات بتشجيع من الشرطة السرّية للشاه (السافاك)، ولم تنقطع هذه الصلة حتى سقوط نظام الشاه. مع ذلك مرّت الحجّتية بأزمات عديدة مع نظام الشاه، إذ تحفظت على "الثورة البيضاء" التحديثية في الإتجاه العلماني، والتي أعلنها في الستينيات، كما اعترضت على سياسته الإيجابية لاحقاً تجاه الأقلية البهائية.

ومع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، انتقلت الحجّتية من موقع إلى آخر بشكل سريع. نظرت إلى انهيار الثقافة الغربية في إيران على أنّها مكسب أساسي لها، لكنها اعترضت على أن يتولى رجال الدين بأنفسهم حكم البلاد، واعترضت خصوصاً على نظرية "ولاية الفقيه"، واعتبار أن هناك مرجع تقليد واحد يمكنه أن يتحوّل إلى وكيل أو نائب عن الإمام الغائب.

اعتبر الحجّتيون أن من واجبهم الانخراط في الثورة الإسلامية لمنع اليسار من أخذ هذه الثورة إلى اتجاه يذكّر بحكومة مصدّق. تحوّلوا إلى "يمين" لهذه الثورة، لكنهم تصادموا مع الإمام الخميني أيضاً.

بالنسبة إلى الحجّتية، لا شرعية لأية حكومة في فترة الغيبة الكبرى، ورجال الدين يلعبون دوراً كلي الأهمية في حماية الجماعة الشيعية في هذه الفترة انطلاقاً من كونهم مرجعية ثقافية وأخلاقية وفقهية لا انطلاقاً من توليهم الحكومة أو الإدارة. اعتبروا بالتالي "ولاية الفقيه" عقبة إضافية توضع على طريق ظهور الإمام المهدي.

في مطلع الثمانينيات، ظنّ الشيخ الحلبي أن بإمكانه التساجل مع الإمام الخميني، فقال إنه أعلى منه منزلة، لا بعلمه أو بشعبيته، وإنما لأن الإمام المهدي يرده في الأحلام، ويقول له ما ينبغي عمله.

في المقابل، ردّ الإمام الخميني بهجوم على الحجتية، ذكّر فيها بتعاملها مع السافاك، واتهمها بالرجعية، وبالتحريض ضد المسلمين السنة. حلّت الجمعية، ولوحق بعض رموزها، في حين كان رموز آخرون يتولون مناصب بارزة في الجمهورية الإسلامية، ولا يظهرون بمظهر جسم مترابط أو يموّهون علاقتهم بالحجّتيين الآخرين.

عموماً، بقيت الحملة ضد الحجّتية أكثر اعتدالاً من الحملات ضد الأطراف الأخرى التي ندّد بها الخميني في تلك الفترة.

شيئاً فشيئاً سيضطر الحجتيون للتطبّع مع نظام ولاية الفقيه رغم رفضهم الأصلي له، وإذا كانوا في مطلع الثمانينيات يتميزون بأنهم ضد منطق تصدير الثورة، وضد إعاقة التجارة، إلا أن مآل الأفكار التي حملتها هذه الجماعة لن يكون بالمقدور حصره في مسار أحادي لاحقاً.

توفي الشيخ الحلبي اواخر التسعينيات، لكن فكرتيه الرئيسيتين حول ازالة العقبات التي تعترض ظهور الإمام المهدي، وحول تواصل الإمام المهدي مع شيعته بواسطة المنامات، لا تزالان مؤثرتان في إيران كما في العراق.

كي يحافظ الحجّتيون على وجودهم بعد اصطدامهم بالخميني، اضطر كثير منهم للتكيف لاحقاً مع ولاية الفقيه، واعتبار "الرهبار" أو "المرشد" مساعداً على ظهور الإمام، لا عقبة. من هنا، غمزة ذكية لرونان كوهن في كتابه الصادر عام 2013 عن الجماعة الحجّتية، إذ يعتبر أن هذه الجماعة التي بدأت حياتها جمعية لمكافحة البهائية، انتهت للاستعانة بنظرية "الباب" البهائية - أي أن هناك أشخاصاً يمكن اعتبارهم كمطالع أو مظاهر للإمام الحجة صاحب الزمان - لأجل إسباغ الخميني أو خامنئي بهالة مهدوية. يبقى أن تعرف أين التقية وأين القناعة المبلورة في كل هذا.

إطفاء الأضواء ليلاً
في بداية الثمانينيات، كان سهلاً التعرف على شخصيات نشأت في حضن الحجّتية، مثل الرئيس رجائي، أو وزير الخارجية علي أكبر ولايتي. أما اليوم، فيصعب الفصل بين من ينتمون فعلاً إلى الجماعة وبين المتأثرين بها. فالشيخ مصباح يزدي، أبرز من يحتسب على الحجّتية من رجال الدين، ينفي إطلاقاً علاقته بها، وإن كانت أفكارها تتراءى في مواقفه، أما محمود أحمدي نجاد الذي يقلّده، فاشتهر بكثرة حديثه عن ظهورات المهدي له في المنام.

وهكذا، يجري اليوم الحديث عن حالات "مصباحية" و"مهدوية" تتواتر فيها أفكار الحجّتية، وإن لم تنتم لجماعتها وتراثها.

يروى كثيراً عن إطفاء الحجتيين الأضواء في منازلهم في الليل، كي يدخلها الإمام الغائب. هذا في الجانب الشاعري من الموضوع. يروى كثيراً في إيران أيضاً عن اغتيالات دبرتها شبكات حجتية لشخصيات تعتبرها معترضة سبيل الغائب. كما لو أن كل حلم يجد تتمته في كابوس.