تقلّصَت المهلة المتبقية أمام الموعد الرسمي للانتخابات النيابية (6 أيار 2018) إلى 4 أشهر تماماً. وبالنسبة إلى اقتراع المغتربين، ضاقت المهلة إلى 3 أشهر ونصف شهر. ولم يسبق للقوى السياسية اللبنانية أن كانت باردةً ومتراخية في استقبال المواعيد الانتخابية، لا قبل 2005 ولا بعدها. فهل هناك «قطبة مخفية» في هذا الأمر؟
 

لم يُسقِط عددٌ من المتابعين فكرة التمديد للمجلس النيابي مجدّداً في أيار المقبل، على رغم دعوة الهيئات الناخبة وإعلان كلّ القوى السياسية أن لا مجال ولا مبرِّر سياسياً أو تقنياً للتأجيل مجدّداً.

فالانتخابات ستتمّ باعتماد بطاقة الهوية أو جواز السفر، وسيتأجّل الاقتراع في مناطق الإقامة إلى انتخابات لاحقة. ويقول المعنيون بالملف إنّ هذين الأمرين هما الوحيدان اللذان سيتمّ إدخالهما على قانون الانتخابات المعتمد. وأمّا بقية البنود فستبقى على حالها، لأنّ فتح بابِ التعديل قد ينسف القانون من أساسه. فالجميع لهم اعتراضاتهم على بنود معينة.

في جوهر الملف، أنّ المناخ السياسي الذي صيغَ فيه القانون، وأدّى إلى ولادته في حزيران 2017، لم يعُد هو نفسه القائم اليوم، ولا سيكون نفسه الذي سيسود العملية الانتخابية إذا جرت في أيار المقبل.

عندما كانت المفاوضات جارية حول القانون، لم يكن قد نشأ «التحالف الخماسي». فقد كان الرئيس ميشال عون، ومن خلاله «التيار الوطني الحرّ»، غارقاً في كباش مع الرئيس نبيه بري. وكانت العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع جيّدة. ولم تكن العلاقة بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» قد شارفَت على القطيعة.

ولذلك، كان الوزير جبران باسيل قلقاً من وجود ثغرات في القانون وطريقة تنفيذه، وخصوصاً في الصوت التفضيلي وطريقة احتساب الأصوات. وطالب بإدخال تعديلات «جوهرية وشكلية» عليه قبل وضعِه موضع التنفيذ.

وكان على عون أن يستعدّ لمواجهة حسّاسة في انتخابات أيار عندما نجَح النائب وليد جنبلاط في جذبِ الحريري إلى لقاء كليمنصو مع بري، وتالياً «حزب الله»، والتفاهم على تنسيق الخطوات داخل مجلس الوزراء وفي الانتخابات النيابية. فاللقاء عُقِد لفرملة اندفاعة عون وباسيل، خصوصاً قبل الانتخابات، ووقف انزلاق الحريري إلى التحالف مع باسيل.

خلال أزمة «الاستقالة» الحريرية، انقلبَت الأدوار وتبدّلت التحالفات. فقد نجَح عون في تأدية خدمةٍ للحريري و«حزب الله» في آنٍ معاً. وهذا ما أتاح التقارب بينه وبين بري وجنبلاط، وتمّ التفكير في التنسيق ضمن «حلف خماسي» يخوض الانتخابات في أيار ويؤسس للسلطة المقبلة على مدى عهدٍ كامل.

تقوم الفكرة على وضعِ الجميع في بوسطة يقودها «حزب الله». وفي الطريق، يتفاهم الركّاب على تقاسمِ المكاسب والمصالح كما يريدون. المهم أنّهم موافقون على عدم التدخّل في شؤون القيادة. وأمّا الرافضون والمعترضون فلا سبيل أمامهم سوى البقاء على الرصيف.

الرافضون اليوم هم: «القوات اللبنانية»، الوحيدة من داخل السلطة، ومعها حزب الكتائب وأحزاب وشخصيات مسيحية في 14 آذار واللواء أشرف ريفي والرئيس نجيب ميقاتي وقوى إسلامية، ومعهم قوى من المجتمع المدني.

و«القوات» واقفة اليوم بين خيارَين: المراهنة على البقاء في المعسكر الاعتراضي وفرضِ موقع قوي شعبياً في الانتخابات، أو ترميم التحالف مع الحريري، ومع عون، وبناء تحالف مع برّي. ولكلّ خيار مخاطرُه وثمنه: الأول قد يقود إلى انعزال خطِر، والثاني إلى الانضواء تحت راية «الحلف الخماسي» والسكوت عن النهج الذي تعترض عليه «القوات» اليوم.

أساساً، أثبتَت القوى السياسية أنّها لا تقيم وزناً للدستور أو للمواعيد الدستورية أو للقوانين والمؤسسات. فهي عندما تواطأت على تطيير الانتخابات النيابية العامة مراراً فعَلتها بدمٍ بارد، وعندما أرادت تطيير الانتخابات الفرعية لم تكلِّف نفسَها عناء التبرير حفظاً لماء الوجه، وعندما تتقاسم الغنائم في مجلس الوزراء لا قانون يحدّها ولا مؤسسات رقابية.

وعندما تمّ إقرار قانون الانتخابات الحالي، على عجَل، لم يكن كثيرٌ من المعنيين يفهم آلياته. ولكن، على الأرجح، يدرك بعض الأقوياء في السلطة أن لا خوف عليهم في أيّ انتخابات لأنّ الأمور في يدهم. وأمّا الآخرون فلا بأس أن يبقوا رهينة الغموض. وفي أيّ حال، هم يستطيعون تطييرَ الانتخابات إذا لم تكن ظروفهم مناسبة، كما يستطيعون تعديلَ القانون إذا أرادوا.

اليوم، يرتفع مستوى الحماسة للانتخابات في أيار أو ينخفض بناءً على التحالفات. فالقوى الشيعية تضمن كتلتها النيابية جيّداً، لكنّها تلعب ورقة الكتل الأخرى. والتحالف الخماسي سيتكفّل بتكريس الخط الذي يريده «حزب الله» طوال عهد عون. وسيتدخّل «الحزب» لضبطِ الوضع بين حليفيه عون وبري، ولكن هل ستكون هناك محاولة لجذبِ «القوات» أيضاً، عبر برّي؟ وما حظوظ نجاحها؟

الأجوبة هي التي ستحدّد مستوى الحماسة للانتخابات في أيار، علماً أنّ هناك مَن يقول بأفضلية التأجيل إلى الصيف لتتمكّن الغالبية التي سيأتي بها المجلس الجديد (8 آذار) من أن تنتخب خلفاً لعون (نهاية تشرين الأوّل 2022).

لهذه الأسباب كلّها، يقترب المعنيون من الانتخابات «إجْر لَوَرا وإجْر لقدّام». وأمّا الضغط الدولي على لبنان فلا يتعلق بالديموقراطية المزعومة، التي هُتِكَ عرضُها عشرات المرّات تحت أنظار العالم، بل يتعلق ببقاء لبنان جنّة استقرار للنازحين واللاجئين حتى إشعار آخر. وفي هذا المجال، تبدو القوى السياسية مطيعة ولو صار لبنان على حدّ السكّين... أو حدّ التوطين!