نقاط كثيرة أثارها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مقابلته التلفزيونية، لم تحظ بالقراءة المطلوبة. لم يتوقف كثيرون عند هذه النقاط المفصلية، التي تعتبر مساراً جديداً وتحولاً كبيراً على طريق خرق مبدأ النأي بالنفس. فيما كانت المشكلة اللبنانية السعودية الأساسية، ترتكز على عدم تدخّل حزب الله في اليمن، وبعد التوافق على بيان النأي بالنفس بوجوب عدم تدخّل الحزب في اليمن، تحدّث نصرالله عن قدوم آلاف الحوثيين من اليمن إلى لبنان للقتال إلى جانب الحزب في حال حصول أي حرب. لا يقتصر كلام نصرالله على خرق النأي بالنفس، بل أسهم في ربط الملف اليمني باللبناني أيضاً، حين اعتبر أن لبنان واليمن أجزاء أساسية من محور المقاومة بقيادة إيران، ومنطق دخول الحوثيين على خطّ القتال، يندرج في سياق منطق توسيع الجبهات المفتوحة.

انشغل نصرالله في مسألتين مهمتين في إطلالته: أولاً الأحداث الإيرانية والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران، وتخللها إطلاق مواقف مناهضة لدعم طهران حزب الله والحوثيين وبعض التنظيمات العراقية والفلسطينية؛ وثانياً مسألة احتمال اندلاع حرب مع إسرائيل. وقد حمّل مسؤولية ذلك للادارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية. ولا شك في أن النقطتين متربطتان.

عمل نصرالله بشكل مكثّف على التخفيف مما يجري في إيران، معتبراً أن الاحتجاجات في طريق المعالجة، خصوصاً أن السلطة الإيرانية تنتهج نهجاً استيعابياً لهذه الاحتجاجات التي بدأت على خلفيات إقتصادية ومعيشية وليست سياسية، وهي لا تشبه ما جرى في العام 2009 أيام الثورة الخضراء. واعتبر أن السلطة ستكون قادرة على انهاء الاحتجاجات التي اندلعت بسبب إجراءات مالية ومصرفية. كما ذهب إلى طمأنة جمهور المقاومة في المنطقة، بأن الأحداث لن تؤثر على المسار الإيراني في الشرق الأوسط، ولن تنعكس سلباً على حلفاء إيران. وهذا الكلام للرد على الهتافات المناهضة للتنظيمات التي تدعمها إيران في المنطقة. ولذلك تعمّد الإشارة إلى أن الشعب الإيراني مقاوم بوجدانه، وهو مستعد لدعم المقاومة.

مما لا شك فيه، أن الاحتجاجات الإيرانية حملت رسائل واسعة إلى الداخل والخارج، وبمعزل عن انتهاء الاحتجاجات أو عدم وصولها إلى أي نتيجة، فإنها ستضع القيادة الإيرانية أمام حقائق لا يمكن تجاهلها. في مسألة تقديم الدعم المالي إلى التنظيمات خارج إيران، وآثار ذلك سلباً على الوضعين الإقتصادي والمعيشي داخل البلاد. في المقابل، يراهن الإيرانيون على نقاط قوة عديدة لديهم قادرون على استخدامها للجم هذا الحراك، وإعادة وهج الثورة الإسلامية إلى الشارع الإيراني، استناداً إلى العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وعلى المزايدات الأميركية التي خرجت سريعاً تعلن دعم الحراك. وهذا ما يؤثر بشكل سلبي على هذه الاحتجاجات، ويثبت أنها مدبّرة من قبل قوى خارجية. دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الخطّ لا يمكن إلا أن يصبّ في خدمة النظام الإيراني.

ولكن، لماذا الربط بين الاحتجاجات الإيرانية وإمكانية إندلاع حرب في المنطقة؟ ثمة من يعتبر أن بقاء النظام الإيراني هو حاجة ماسة لكل المنظومة الدولية، ولتركيبة الشرق الأوسط الحالية. لذلك، فإنه حين تخرج الاحتجاجات عن إطار السيطرة وتتوسع، قد تلجأ طهران إلى إشعال جبهات خارجية تجنباً للدخول في حرب أهلية مشابهة لوضع سوريا، وبذلك تكون قادرة على استعادة ما فقدته، في وجدان الشعب، بأنها تواجه مؤامرة كبرى.

وهذا ما أظهر بعض التخوف لدى نصرالله من إمكانية إندلاع حرب. فيما هناك من يعتبر أن إثارة هذا الموضوع، قد يكون له انعكاس للتغطية على الأحداث الإيرانية. يقتصر التخوف على نقطتين، في سوريا وإذا ما أصر الأميركيون والإسرائيليون على إخراج إيران من سوريا، فإن ذلك قد يؤدي إلى فتح حرب، لتحتفظ طهران بموقعها على الساحة وعلى طاولة المفاوضات، لتثبيت نفوذها باعتراف دولي. أما النقطة الثانية، فهي أن احتمال اندلاع الحرب يبقى قائماً إذا ما توسعت الاحتجاجات الإيرانية. وهذه ستكون انعكاساتها على الشرق الأوسط برمّته، وليس على إيران فحسب.