بدأت المظاهرات الشعبية التي تعيش على وقعها إيران منذ أكثر من أسبوع تلقي بظلالها على النظام الإيراني وسياسته الخارجية التي أثّرت على الإيرانيين وكانت حاضرة بقوة في الشعارات الرئيسية التي رفعوها مندّدين بتدخّل إيران في اليمن والعراق وسوريا. ومن النتائج الملموسة ما يتردد في الأوساط السورية عن تبدّل وضع إيران في سوريا، حيث يستشعر النظام السوري ضعف الحليف الإيراني مقارنة بنظيره الروسي وأن لا مصلحة حاليا لدمشق في الإبحار داخل المركب الإيراني الذي يتعرّض لضغوط هائلة، يمكن أن تصبّ في مصلحة نظام الأسد القلق من أن يبقى الإيرانيون في سوريا أكثر من اللازم
 

تكشف مصادر قريبة من كواليس القرار في العاصمة السورية عن ارتياح مكتوم للأزمة الحالية التي تمر بها إيران، على الرغم من الموقف الرسمي المتضامن مع النظام الإيراني في مواجهته للمظاهرات المندلعة في الأيام الأخيرة.

وتقول المصادر إن دوائر الحكم في سوريا تعتبر أن انشغال طهران بأزمتها الداخلية سيخفّف من حالة الاستعلاء التي تمارسها إيران على النظام السوري لجهة انطلاق طهران من ثوابت استقرارها الداخلي لتعطي دروسا للحاكم في دمشق في كيفية إدارة الحكم منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.

وتضيف المصادر أن بعض المعلومات تحدثت عن استعانة طهران بخبرات سورية في مسائل مواجهة التحرّكات الجماهيرية، ناهيك عن انكشاف النظام الإيراني أمام النظام السوري لجهة عدم امتلاك نظام الولي الفقيه الترياق المثالي للحكم مقابل نموذج حكم الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا.

وتلفت مصادر سورية موالية أن دمشق التي لطالما استقوت بالموقف الإيراني في محاولة ردّ الضغوط الواردة من روسيا، بدأت تشعر أن أمان وصمود نظام الأسد يرتبطان بشكل قوي بموقف موسكو الداعم عسكريا ودبلوماسيا للنظام في سوريا.

وتعترف هذه المصادر أن الموقف الإيراني هو أكثر حماسا وصدقا في دعم النظام السوري واستمرار رئيسه في الحكم، إلا أن منابر النظام السوري بدأت تستشعر ضعف العامل الإيراني مقارنة بذلك الروسي.


تحول الموقف

تذهب بعض التيارات السورية الموالية للنظام إلى استنتاج أن لا مصلحة حاليا لدمشق في الإبحار داخل المركب الإيراني الذي يتعرض لضغوط هائلة منذ أن تبوّأ دونالد ترامب سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة. وتراقب هذه التيارات بقلق بدء تحوّل الموقف الأوروبي باتجاه الاقتراب من موقف واشنطن إزاء طهران. وتضيف هذه الدوائر أن العامل الإيراني بدأ يصبح معطلا أساسيا للمقاربات الدبلوماسية التي تنتهجها موسكو للخروج بحل للأزمة في البلاد تبقي على الأسد رئيسا وتمنع استبدال النظام في دمشق.

وتكشف بعض المراجع السورية أن مشاركة إيران في عملية أستانة هي التي تفخّخ إمكانية تحويل اجتماعات سوتشي في 29 و30 من الشهر الجاري إلى أرضية يمكن أن تواكب عملية جنيف، بسبب رفض دول إقليمية ودولية معنية بالشأن السوري للدور الإيراني ولمشاركة طهران في إنتاج أي تسوية في سوريا.

دمشق التي لطالما استقوت بالموقف الإيراني بدات تشعر بأن أمان وصمود نظام الأسد يرتبطان بموقف موسكو
وتضيف المراجع أن المعارضة السورية كما المنابر الدولية تعتبر أن إيران هي جزء من المشكلة ولا يمكن أن يمر أي حل وفق الشروط التي تريدها طهران لأي مخارج للأزمة في البلاد.

ولا تخفي مصادر قريبة من وزارة الخارجية السورية إعجابها بالطريقة التي تتعامل بها روسيا مع دمشق، لجهة احترام المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية السورية، والحرص على الطابع القانوني في الدفاع عن البُنى التحتية للنظام في سوريا.

وتقول هذه المصادر إن هذا الانشداد إلى الخيار الروسي تطوّر بالمقارنة مع النهج الإيراني الذي تعمّد إغراق البلاد بالميليشيات وتقصد التغلغل داخل المؤسسات العسكرية والأمنية السورية، بما كبّل ديناميات النظام بنهج ميليشياوي مستفز لمشاعر السوريين، بما فيهم أولئك المناصرون والمقاتلون في صفوف النظام.

ولا تخفي مصادر إعلامية ناشطة في وسائل إعلام النظام وجود حالة تبرّم داخل صفوف النظام من واقع الهيمنة التي تمارسها طهران على الواقع الميداني في سوريا كما على الواجهة الاجتماعية الثقافية في البلاد. وتكشف هذه المصادر أن مشاهد اللطم الجماعي في أحياء دمشق العتيقة أثارت سخطاً لدى الدمشقيين كما لدى السوريين عامة كما سببت حرجاً كبيراً للنظام ودوائره.

وترى هذه المصادر أن حملات التشيع التي تقوم بها إيران في سوريا قديمة وحققت اختراقا لافتا داخل بعض المدن والكتل الاجتماعية، بيد أن طهران تتقصّد من خلال طقوس تنقلها منابر الإعلام الاجتماعي إبلاغ المنطقة والعالم بسقوط سوريا داخل النفوذ الكامل لنظام الولي الفقيه ومنهجه.

وعلى الرغم من عدم وجود مصادر للتحقق من الأنباء التي تم تداولها في الساعات الأخيرة عن قيام الحرس الثوري الإيراني بسحب وحداته في سوريا للاستعانة بها في قمع المظاهرات في المدن الإيرانية، إلا أن أوساطاً قريبة من النظام تعتبر أن هذا الدخان يخفي نارا تحت الرماد قد يسهل الحل السوري بالنسخة التي يفضلها أصحاب القرار في دمشق.


روسيا ستسعى لاغتنام فرصة الارتباك الإيراني الراهن من أجل تنشيط العملية السياسية الروسية خصوصا أن موسكو تحتاج إلى تحقيق إنجاز لافت عشية الانتخابات الرئاسية

سحب الميليشيات

ترى هذه الأوساط أن تخفيف الوجود العسكري الإيراني المباشر في سوريا سيكون مدخلاً لسحب كافة الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية وغيرها التابعة لإيران، وأن من شأن ذلك منح المقاربة الروسية هامشاً رشيقا لتسويق عملية أستانة-سوتشي لدى المجتمع الدولي.لكن مصادر أمنية وعسكرية تابعة للنظام في سوريا ترى أنه على الرغم من تراجع الحاجة لقوات حزب الله وبقية الميليشيات الموالية لطهران في سوريا، إلا أن الوضع الميداني، بالنسبة لدمشق كما بالنسبة لموسكو ما زال يحتاج لتواجد عسكري ميليشياوي على الأرض للحفاظ على مواقع النظام السوري وحماية ما أنجزته دمشق برعاية موسكو العسكرية من تبدّل في موازين القوى لصالح النظام. بيد أن هذه المصادر تقول إن الأزمة الإيرانية قد تُغيّر من طبيعة ووظيفة التواجد الميليشياوي بحيث يمكن أن يخضع أكثر للأجندة السورية الروسية أكثر من خضوعه للأجندة الإيرانية.

وتغامر بعض المصادر الحكومية السورية بتوقّع أن تتبدل أولويات النظام الإيراني في المرحلة المقبلة حتى لو نجحت طهران في قمع ومحاصرة حراك المدن في البلاد. وترى هذه المصادر أن الشعارات التي رفعها المتظاهرون لجهة انتقاد التورط الإيراني في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن سيفتح نقاشا داخليا حادا بما سيفضي إلى تموضع آخر للسياسة الخارجية، لا سيما الأمنية، في دول الجوار.

وتعتقد هذه المصادر أن حماية النظام السوري ستبقى أولوية لنظام طهران لما لموقع إيران في هذا البلد من حيوية مرتبطة بأمن النظام نفسه، وأن التحوّلات الدولية لجهة عدم اشتراط رحيل الأسد في أي عملية سياسية سيخفف من حدة التوتر الإيراني حيال مصير الأسد ونظامه، وبالتالي سيطور ذلك قناعات جديدة لدى نظام طهران بالتعويل على المسعى الروسي لحماية النظام وصون مصالح إيران في سوريا. وتعوّل بعض الدوائر الدبلوماسية السورية على ارتخاء القبضة الإيرانية على النظام السوري بسبب الأزمة الحالية، لعل في ذلك ما يقنع عواصم إقليمية وقفت مع المعارضة بتسهيل الحل الروسي.

وتسرب هذه الدوائر معلومات، قالت إنها استقتها من مصادر روسية، تكشف أن دول المنطقة قد تقبل بوجود الأسد لمرحلة مؤقتة وبقاء النظام بهيكله القديم مطعماً بمشاركة للمعارضة يتم الاتفاق عليها في المفاوضات المقبلة، طالما أن ذلك يشترط تخفيف نفوذ طهران في سوريا.

وتضيف المصادر الدبلوماسية أن هذا الموقف الإقليمي المرن ينهل قوته من موقف دولي بهذا الاتجاه يشترط للولوج إلى مرحلة إعمار سوريا التوصل إلى تسوية سياسية ترضي الدول الكبرى المانحة التي تنظر بعين الريبة إلى أي مستقبل لسوريا يُبقي نفوذ إيران بالشكل الممارس حاليا في سوريا.

وتؤكد هذه المصادر أن روسيا ستسعى لاغتنام فرصة الارتباك الإيراني الراهن من أجل تنشيط العملية السياسية الروسية خصوصا أن موسكو تحتاج إلى تحقيق إنجاز لافت عشية الانتخابات الرئاسية.