إن جرأة المتظاهرين طالت الهالة المقدسة لموقع ولاية الفقيه وأعلنت للعالم أن الغطاء الديني والطائفي لم يعد يشكل أي حماية أو حصانة للنظام الإيراني وحكامه
 

بمعزل عما ستؤول إليه الأمور في إيران وأيا تكن نهاية الحركة الإحتجاجية الشعبية التي أطلقتها شرائح واسعة من الشعب الإيراني وبدأت من مدينة مشهد المقدسة وطالت العاصمة طهران وعمت معظم المدن على امتداد الجغرافيا الإيرانية منددة بممارسات النظام التعسفية وبالسياسة التي ينتهجها في الداخل والخارج رافعة سقف المطالب إلى مستوى المطالبة بإسقاط النظام برمته وبجناحيه المحافظ والإصلاحي والتي لا تزال تملأ الشوارع والساحات منذ أكثر من أسبوع وبوتيرة متصاعدة رغم عمليات القمع باستعمال القوة المفرطة ضد المتظاهرين والتي أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى واعتقال المئات منهم وزجهم في الزنازين والسجون والتهديد بإنزال عقوبة الإعدام بحق كل من يعتبره النظام ويصنفه بأنه متورط بإثارة الفوضى وتهديد الأمن والإستقرار في البلاد والإعتداء على الأملاك العامة. 

إقرأ أيضًا: النظام الإيراني أمام التحديات الصعبة
وبغض النظر عن الأسلوب الذي قد تلجأ إليه السلطات الإيرانية لمعالجة هذه المعضلة إن كان بالإصغاء إلى مطالب الشعب المحقة وإجراء بعض الإصلاحات بالحد من تفشي الفساد وهدر المال العام وتقديم الخدمات المطلوبة والملحة للناس أو سلوك طريق الترويع والترهيب والقمع والتي غالبا ما تلجأ إليها الأنظمة الإستبدادية والديكتاتورية لسحق أي حركة معارضة لها إلا أنه بات في حكم المؤكد أن يوم السابع والعشرين من شهر كانون أول عام 2017 وهو يوم إنطلاق التظاهرات سيشكل مفصلًا مهما في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلامة مضيئة في مستقبل إيران السياسي والإجتماعي وأن إيران بعد هذا المفصل غيرها قبل هذا التاريخ  سيما وأن الإحتجاجات التي سرت في الأوصال الإيرانية كما تسري النار في الهشيم فإنها ألقت بظلالها العميقة على مستقبل إيران وفتحت جرحًا نازفًا في الداخل الإيراني وأصابت النظام بجروح لا يمكن إلتئامها وأحدثت فيه خدوشًا من الصعب معالجتها بالخطابات والوعود والتستر بعباءة الدين وأظهرته على حقيقته فبانت عيوبه ومفاسده التي لم يعد بالإمكان التغطية عليها وتعمية أنظار الناس عنها، وبالتالي فإن هذه الثورة الشعبية كشفت أن الصورة البراقة التي كان يصدرها النظام الإيراني للعالم كانت تخفي الكثير من الخداع والزيف وواقعًا اقتصاديًا منهارًا وبائسًا وتصدعًا في العلاقة بين الشعب وحكامه ووضعًا معيشيًا مأساويًا وكم للأفواه وممارسة للحكم بصلاحيات مطلقة وبديكتاتورية سياسية جائرة. 

إقرأ أيضًا: من ديكتاتورية الشاه إلى ديكتاتورية الخامنئي
فلا شك أن هذه الحركة الإحتجاجية التي يمكن وصفها بانتفاضة الشعب الإيراني كسرت حاجز الخوف عند الناس ولأول مرة منذ إعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية فإن جرأة المتظاهرين طالت الهالة المقدسة لموقع ولاية الفقيه وأعلنت للعالم أن الغطاء الديني والطائفي لم يعد يشكل أي حماية أو حصانة للنظام الإيراني وحكامه، وكذلك فإن أوهام المشروع الإيراني القائم على التوسع خارج الحدود وعلى حساب الدول المجاورة لم يستطع أن يخفي رغبة الشعب في الإستفادة من ثروات بلده ومقدراته ومطالبته بحقه في حياة كريمة فضلًا عن شغفه بالحرية للتعبير عن رأيه ومكنوناته المكبوتة. 
فالمواطن الإيراني بات يدرك جيدًا أن المليارات من عائدات النفط والغاز تذهب إلى جيوب المتنفذين والمتسلطين في الداخل وإلى تنظيمات وميليشيات مسلحة وجمعيات دعوية ومؤسسات إعلامية في الخارج وأن الملايين من غير الإيرانيين يعيشون حياة البذخ والترف بأموال إيرانية وعلى حساب لقمة عيش المواطن الإيراني فقط لأن النظام يعمل على تصدير الثورة إلى الخارج. 
الشعب الإيراني المنتفض وإن تم قمعه بالقوة المفرطة وسحقه في الشارع واتهامه بالعمالة والخيانة وتهديده بالويل والثبور وعظائم الأمور فإنه لم يطلب أكثر من حقه في الحياة وأن الطريق إلى ذلك هو الخروج من تحت جلباب الطغمة الدينية الحاكمة التي مزقت نسيج المجتمع وطمست حضارة الأمة الإيرانية العريقة وأحبطت الشباب ووأدت روح الإبداع عندهم .