المعركة التي يخوضها الرئيس بري صعبة جدا والخسارة لو تمت أمام الرئيس عون ستكون نكسة كبيرة له
 


عادت أزمة مرسوم الأقدميات لضباط " دورة عون " إلى الواجهة من جديد مع نهاية عطلة أعياد  الميلاد ورأس السنة.
وبرزت عدة تصريحات وتسريبات صحافية بين عين التينة وبعبدا تؤكد أن محركات المعركة إنطلقت من جديد وأن جولة جديدة من الإشتباك السياسي ستبدأ .
وعلى الرغم من محاولة بعبدا الإيحاء بأن ما يتم تسريبه من معلومات من داخل القصر ليست صحيحة إلا أن الجو العام يوحي بأن سقف الإشتباك بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري عاد ليرتفع  إلى مستوى المحظور هذه المرة ولأول مرة منذ معركة الإنتخابات الرئاسية.
وإن حاول الرئيس سعد الحريري إحداث خرق معين لتقريب وجهات النظر إلا أن جميع المؤشرات في البلد تؤكد تمسك كلا طرفي الأزمة بموقفهما وهذا ما يعلنه الرئيس بري بوضوح وشفافية.

ومنذ بدء أزمة المرسوم قبل عطلة الأعياد ، طرحت بعبدا وجهة نظر بسيطة تقوم على أن المرسوم ساري المفعول ومن يريد أن يعترض فليلجأ إلى القضاء.

بالمقابل تمسك بري بطرحه على أن المرسوم مخالف للدستور وغير ميثاقي وعليه إشكالات سياسية لا بد من تصحيحها.
إلا أن بري وعلى عكس عون قدم تنازل كبير عندما طرح فكرة إعادة المرسوم إلى وزارة المالية ليوقع عليه الوزير ويتم غض النظر عن الإشكالات السياسية التي يحملها المرسوم ، واعتبر بري أنه بخطوته هذه قد قدم تنازل بنسبة 50%.

إقرأ أيضا : هل ضعف الرئيس بري ؟
رأى البعض بهذا التنازل ضعفا وضيق أفق لدى بري وغياب للخيارات الموجودة أمامه واعتبر البعض ممن هم في معسكر بري أنه ما كان يجب عليه أن يقدم هذا التنازل خصوصا أن عون لم يقابله بأي تنازل بل ظل متمسكا برأيه.
أدرك بري ربما أنه وقع في خطأ تكتيكي في معركة المواجهة مع عون فعاد إلى التصعيد اليوم وإن ظل متمسكا بطرحه الأخير لكنه قدمه مرفقا مع تذكير بفاتورة الحرب الأهلية التي دفع ثمنها اللبنانيون ومن ضمنهم الشيعة لتحصيل مكتسبات في إتفاقية الطائف.
أكد بري في هذا الإطار أنه لن يتراجع عن موقفه وقال أمام زواره " ما يحصل من تجاوز التوقيع وغيره دفع ثمنها مئة وخمسون ألف قتيل ويجب على الجميع أن يعرفوا أن هذه المسألة ليست سهلة ولا رجوع عنها على الإطلاق ".
وعندما يتحدث الرئيس بري بهذا الأسلوب فهو يعني أن المشكلة عقيمة مع العهد وأن الأمور إتخذت أبعاد مختلفة والخيارات بدأت تضيق.
هو يحاول من خلال هذا التصريح إعطاء المعركة بعدا شيعيا بالدرجة الأولى لتأمين الغطاء الشعبي والسياسي خلفه وقد نجح في ذلك إلى الآن من خلال تبني حزب الله لرأيه وموقفه ولو أن السيد حسن نصر الله لم يعلنها بوضوح بالأمس كي لا يتم الإستثمار بها إعلاميا على أن هناك خلاف بين عون وحزب الله.
ولا بد من التأكيد على عدة ثوابت لمعرفة العقلية أو الخلفية التي ينطلق منها بري في معركته اليوم.
فهو لم ولن  يتقبل فكرة وجود ميشال عون في قصر بعبدا لأن الرجل بكلامه وتاريخه يذكره بحقبة المارونية السياسية والحرمان الشيعي.
وهو أيضا لا يهضم بالأصل الحالة العونية وقد عالج هذه النقطة العديد من الصحافيين تحت عنوان غياب الكيمياء بين الطرفين.
فإضافة إلى تراكمات التاريخ ، يظهر الحاضر ثقيلا جدا وصعبا على أن يتقبله بري فهو يشعر منذ إنتخاب عون رئيسا للجمهورية أن موقعه في النظام كمرجعية يعود إليها جميع اللبنانيين بدأ بتآكل ومن يشجع على هذا التآكل هو التيار الوطني الحر والوزير جبران باسيل بغطاء كامل من العهد.
كيف يظهر ذلك ؟
اليوم الرئيس بري هو طرف في النزاع لا حكم على عكس السنوات الماضية وهو اليوم من يطالب بالشراكة والحقوق ، وهو وضع لا يرتاح له بري.
لا يرتاح بري لوضعه في الحدث السياسي اللبناني على أنه طرف في النزاع ، هو يعشق لعب أدوار الحكم والمصلح وفكره بواقع الحال تسووي وتصالحي مع كافة القوى السياسية وهو يحب أن يراه الناس على هذه الشاكلة.
أما التيار الوطني الحر فلا إشكال لديهم أن يكونوا طرفا في النزاع فهم يقدمون المعركة إعلاميا على أنها معركة إسترجاع صلاحيات وحقوق المسيحيين من المسلمين .

إقرأ أيضا : بري: الليلة عيد
والمفارقة أن معركة العونيين كانت مع تيار المستقبل في البداية حول هذا الأمر بالتحديد لكنه تحول في آخر عام من معركة مع الحريري إلى معركة مع بري شخصيا عنوانها إستعادة حقوق المسيحيين وهذا ما أزعج بالدرجة الأولى حزب الله على عكس ما يذهب كثر بتحليلاتهم.
فالحزب لا يروق له ولادة ثنائية مارونية - سنية  تأكل من مكتسبات الشيعة في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية على الرغم من أن حزب الله لا يقبل بالطائف إلا أن الحزب يتعامل مع الموضوع على أن الطائف أمن شيئا ما من مكتسبات الشيعة ( إلى هذا الحد يتفق مع بري )  لكن يجب تطويرها وزيادتها وتكريسها لاحقا عبر طرح مؤتمر تأسيسي جديد ( هنا يبدأ الخلاف مع بري ).
ضمن هذا السياق ، تتقارب وجهات نظر بري وحزب الله حول موضوع توقيع وزير المال لأن القضية تعتبر من مكتسبات الشيعة في الطائف التي يتوافق عليها بري وحزب الله. 

ولا يرى الحزب أي مصلحة في تقديم تنازل لعون في هذا الموضوع.
ومن عدة الشغل التي إستخدمها بري أيضا في بداية الأزمة هو التحذير بأن الطائف في خطر وهذه النقطة بالتحديد تشكل هاجسا لدى السنة وبالأخص الرئيس سعد الحريري ، لذلك سارع الحريري إلى التريث في موضوع المرسوم وهو المدرك جيدأ أن بري يحاول توصيل رسالة.
بناءا على ما تقدم ، يخوض الرئيس نبيه بري اليوم معركتين .
الأولى معركة المحافظة على مكتسبات الشيعة في إتفاق الطائف والثانية معركة الحفاظ على دوره داخل النظام.
 وهو لن يقبل بالخسارة مرة ثانية بعد خسارة معركة الرئاسة الأولى لأن الخسارة هذه المرة صعبة جدا ومعناها تكريس مفاهيم وأعراف جديدة في النظام يدرك بري أنها لو تمت ستهمشه وتضعفه وتخرجه من نادي الكبار وستكون نكسة كبيرة.