نظام الخميني أقام أسوأ أنظمة الحكم الدكتاتورية الدينية والطائفية، وفرض معتقداته وسياساته، بقوة المخابرات والحرس الثوري، على الطوائف والشعوب والقوميات في إيران.
 

للراحل أحمد زكي فيلم طريف باسم “شادر السمك” له دلالة إنسانية لاذعة تنطبق جدا على حكام دول عربية وأجنبية عديدة يصيبهم غرور القوة والمال فيفقدون توازنهم ويبرعون في تحويل أصدقائهم في الداخل، وجيرانهم في الخارج إلى أعداء يوحدهم طلب الثأر، وينتظرون الفرصة الموائمة للانقضاض.

في الفيلم يصعد أحمد زكي من أجير عادي بسيط إلى أن يصبح أكبر تجار السمك، ويهيمن على كل سمكـة تدخل الشادر، ويتحكم، وحده في أسعارها، فيحيل زملاءه في الشادر إلى عاطلين عن العمل، بلا رحمة. وحين تنصحه زوجته (نبيلة عبيد)، ذات التاريخ الطويل في تجارة سمك الشادر، بألا يستهين بتجار الشادر ولا يقطع أرزاقهم، يرد عليها بكبرياء وغرور، بأن لا أحد بعد اليوم يجرؤ على رفع رأسه أمامه.

وبسبب الفقر والبطالة واليأس يتجمع تجار الشادر، جميعهم، ذات صباح، وتحت ثياب كل واحد منهم مسدس، ودون كلام ولا سلام ينهمر رصاصهم عليه فيسقط مضرجا بدمائه.

وهذا بالضبط ما فعله نظام الخميني، ووريثه خامنئي، بإيران والإيرانيين، وبحكومات ودول وشعوب عـديدة في المنطقة.

فقد أقام أسوأ أنظمة الحكم الدكتاتورية الدينية والطائفية، وفرض معتقداته وسياساته، بقوة المخابرات والحرس الثوري، على الطوائف والشعوب والقوميات في إيران، وعلى شعوب الدول المجاورة والعالم الإسلامي آملا في أن يعيد حكم الخلافة على الناس أجمعين.

فكفر من يخالفه في الرأي والعقيدة، وأفتى باجتثاث مئات العلماء والخبراء والمفكرين ورجال الدين والقادة العسكريين والسياسيين والمثقفين والفنانين التشكيليين والمطربين والموسيقيين وكتاب الرواية والشعر، وأمر بقتل بعضهم، وسجن البعض الآخر، وهرب كثيرون منهم من أوطانهم إلى المنافي مرغمين.

ثم ألغى الكثير من القوانين والأنظمة المدنية، ومنع تدريس الكثير من العلوم والفنون، وحرَّم الكثير من النشاطات والعادات والتقاليد، ليس على المسلمين وحدهم، بل على غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، في إيران وخارجها، وألبس المرأة، مسلمة كانت أو غير مسلمة، حجابها المُقفل، وقنن للناس الصغير والكبير من أمورهم الخاصة والعامة معا، وفق ما يراه، هو، دون سواه.

لقد فعل أمرين كل منهما يهدم إمبراطورية قائمة.

الأول أنه اتخذ من إرهاب مواطنيه، بأنواع متعددة متشددة من فرق التجسس والقمع والترهيب، وسيلته الوحيدة للبقاء والاستمرار في الحكم.

والثاني أنه انتهج سياسة تصدير “الثورة” إلى الخارج، الأمر الذي جعله يصاب بهوس امتلاك السلاح النووي والصواريخ الباليستية، أسوة بكوريا الشمالية، منفقا قسما كبيرا جدا من ثروة الشعب الإيراني على حيازتها وتصنيعها، وأهمل، مضطرا شؤون التنمية والتطوير والإعمار، في تواتر متناغم مع إنفاق ما يتبقى من أموال وجهود وطاقات على تدبير المؤامرات والدسائس، وتأسيس الميليشيات في الدول العربية، وتمويلها وتسليحها لزعزعة استقرارها، ثم احتلالها، أو على الأقل إخضاعها لإرادة وكلائه وعملائه المحليين.

بهذين العاملين جعل أعداد أعدائه في الداخل كما في الخارج في تزايد، وفي انتظار أن تسنح الفرصة الملائمة للانقضاض عليه.

وها هو اليوم، لا يُفاجأ بالغضب الداخلي فقط، بل يفاجأ بالحجم الهائل والعاجل والمؤثر من الدعم الإقليمي والدولي لجماهير التظاهرات.

ليس أمامه سوى خيارين لإطفاء النيران الداخلية وإرضاء المتظاهرين.

إما أن يتعقل ويلبي رغبة جماهيره، ويعود إلى سلوك الدول المدنية العاقلة التي تصب جل اهتمامها على الاستثمار في الداخل، بعد أن يتخلى عـن سياساته العدوانية وتـدخلاته في دول الجوار.

وإما أن يصم أذنيه عن أصوات الملايين الغاضبة، ويستخدم الحديد والنار لوأدها، ثـم يصر على مواصلة تدخلاته في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

إنه اليوم أمام مصير لا يختلف كثيرا عن مصير أحمد زكي في فيلم “شادر السمك”. فأعداؤه كثيرون وأقوياء في الداخل، وكثيرون وأقوياء في الخارج. وجالك الموت يا تارك الصلاة.