عامان ونصف العام مرّ على ذكرى اندلاع حرب النفايات في لبنان في السابع عشر من تموز 2015 بعد إقفال مطمر الناعمة، الذي استمر بإدارة النفايات بناء على خطة طوارئ منذ العام 1997. 

أزمة مرّت ولا زالت تمرّ بمخاضٍ متعثّر كثر فيه الحديث عن خططٍ انتقالية، مستدامة، وأخرى بديلة، تقاذف المعنيون خلالها نفايات الحلول التي صبت أخيرا في سلة مطامر الموت "المؤقتة" على ذمة القيمين عليها، والتي كان من المتوقع أن تخدم فترة 4 سنوات. وفجأة وبعد ما يقارب السنة ونصف السنة على طمر البحر بالنفايات أعلنوا أن المطامر شارفت على أن تصل لمرحلة استيعابها القصوى وقرروا البحث بخيار توسيعها واحتلال المزيد من الكيلومترات في عرض البحر. 

عقدت اللجنة الوزارية المُكلفة البحث في ملف النفايات، يوم الأول من أمس، اجتماعاً لها في السرايا الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري. ولم تخلُص إلى اتفاق يحدّد مصير ملف النفايات، ما يعني أن الأزمة وكما في نهاية كل عام ستقدم حلقتها المفرغة للعام المقبل، وسيُرحّل البحث عن حلول إلى ما بعد رأس السنة.

وفي تفاصيل الاجتماع "المخيب للآمال"، علم "ليبانون ديبايت" أن اللجنة قررت الموافقة على المبادئ العامة التي اقترحتها الوزارة لإدارة النفايات الصلبة، ومرةً أخرى لم يناقش المجتمعون خطة وزارة البيئة الصادرة في آب الماضي، وذلك لأنها وحسب مصادر مطلعة تواكب الخيارات البيئية السليمة بـ90 في المئة من بنودها.

ورأت المصادر أن الوضع بالحلول التي يتم طرحها في اللجنة يشبه لحد كبير مرحلة ما قبل تموز 2015، أي رمي كرة الحل في ملعب البلديات وإعطائها مهل غير كافية لإدارة نفاياتها، بهدف إفشال اللامركزية الإدارية والعودة قسراً لخيار الخصخصة والاحتكار، إما عبر الطمر أو الحرق. وأوفر الحلول حظوظاً حتى الساعة توسيع المطامر بحسب خطة مجلس الإنماء والإعمار.

وعن خطة آب 2017، القريبة جداً من طروحات الجمعيات البيئية أكد وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت" أن إجتماع اللجنة المكلفة البحث في ملف النفايات حصل بناءً على طلب وزير البيئة طارق الخطيب في مجلس الوزراء لمناقشه هذه الخطة، "التي رأينا أنها ممكنة كحل بديل، ولكن يبدو أن البحث بها تأجل لاجتماع ثانٍ، لأن وزارة البيئة لم تعد أكيدة من خطتها ولاحظنا ترددها حول خطتها بينما توجهت لطرح دراسة جديدة". 

ولفت فرعون أن أموراً عديدة أخذت حيزاً من النقاش خلال الاجتماع، كمعامل الفرز وأمكنتها، ومعامل التسبيخ، ومشكلة مطمري الكوستابرافا وبرج حمود، وتوسيع معمل الكرينتينا.

وبالعودة إلى مطمري الكوستابرافا وبرج حمود اللذين "أخذت حكومة رئيس الوزراء السابق تمام سلام قرارا بإنشائهما بتاريخ 12 آذار 2016، من دون دراسة أثر بيئي مخالفةً بذلك القانون اللبناني والاتفاقيات الدولية"، يؤكد رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبي راشد لـ"ليبانون ديبايت" أن هذه المطامر امتلأت بأقل من سنتين لعدم قيام المتعهد بالفرز الثانوي والمعالجة وعدم البدء بتطبيق الفرز من المصدر، وفقاً لما ينص عليه القرار ولعدم تشكيل لجنة مراقبة يشارك فيها المجتمع المدني.

ويرى أنه اليوم يتم تغييب الحلول البيئية والتهويل بأن المطامر امتلأت لكي تقرر حكومة استعادة الثقة توسيعها قبل إجراء الانتخابات النيابية وكسب الوقت لتلزيم المحارق.

ومن الحلول التي يتم التعتيم عليها خطة آب 2017 لوزراة البيئة، والخطة التي عرضتها الحركة البيئية على وزارة البيئة ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، ووزير الدولة لشؤون التخطيط والتي يمكن إنجازها بستة أشهر وبكلفة لا تزيد عن 25 مليون دولار وتوفر 100 دولار بالطن للبلديات، كما تخلق فرص عمل وتحافظ على المواد الأولية. مقابل الإصرار على طمر البحر بكلفة تفوق المائتي مليون دولار، بغية الربح السريع واستخدام النفايات كذريعة لاحتلال البحر لأهداف نفعية خاصة.

ويؤكد أبي راشد أن المشكلة الأساس في الحلول المطروحة اليوم عبر اللجنة أنه يتخللها خللاً بيئياً وعلمياً جسيماً، كونها تساوي بين النفايات العضوية والعوادم، وتحاول تغييب التسبيخ كحل لـ52،5 من نفاياتنا (العضوية)، إذ يمكن تقسيم النفايات إلى ثلاث أقسام نفايات عضوية، ونفايات يمكن تدويرها 35،5 في المئة، وعوادم تشكل 11 في المئة من النفايات.

لكن لماذا هذا الجمع؟ يجيب أبي راشد لأنه إذا اقتصر الطمر أو الحرق على العوادم، يكون هامش الربح قليل بالنسبة لمافيا النفايات، ولذلك يحاولون ربط مصير النفايات العضوية بالعوادم.

يدور ملف النفايات في حلقة مفرغة، يُهدي فيها كل عام أزمة مستنسخة لخلفه، تظهر للعلن من وقت لآخر "كلما دق كوز السمسار بجرة الحرامي"، فهل تنكسر الجرة وتعود النفايات للشارع قريباً؟