على رغم مرور أكثر من 6 أشهر على إقرار قانون الإنتخاب الجديد، إلّا أنّ غالبيّة الشعب اللبناني لم تعتد عليه، حتى إنّ قسماً من المرشحين لم يفهمْه بعد
 

إنّه عام 2017، عامُ المفاجآت الداخلية، عامٌ إنطلقت فيه حكومة الرئيس سعد الحريري، أو حكومة العهد الأولى في جوٍّ من التسوية لينتهيَ بوابل من المعارك بين أخوة الأمس، عامٌ كان كفيلاً بضرب الجزء الأكبر من «تفاهم معراب» وتحوُّل حزب «القوّات اللبنانية» الى معارِض داخل الحكومة بدلاً من أن يكون شريكَ العهد الأكبر، وباتت خلافاتُه مع «التيار الوطني الحرّ» أكبر من أن تستوعبها تصريحاتٌ مطمئِنة من هنا، أو لقاءاتٌ جانبية من هناك.


قد يكون عام 2017 شهد تطوّرات سياسية مهمّة ليست آخرها أزمة إستقالة الحريري في 4 تشرين الثاني من السعودية، والتريّث، ومن ثمّ العودة عنها يوم عيد الإستقلال في 22 تشرين الثاني، لكنّ القانونَ الإنتخابي شكّل أحدَ نجوم العام الذي سينتهي بعد أيام.


ويعود الإهتمامُ بالقانون الإنتخابي الى أهميّته في الحياة السياسية اللبنانية، إضافة الى أنه يعكس التوارناتِ الداخلية، وقد كان أحد أهم فتائل إشعال الأزمات وحتّى الحروب، منذ زمن الإنتداب الفرنسي عندما كان النقاشُ على توزيع المقاعد بين المسلمين والمسيحيين، من ثمّ تزوير إنتخابات 1949 لتأمين التجديد للرئيس بشارة الخوري، ولاحقاً إسقاط زعماء المعارضة عام 1957، والشكوى الإسلامية طوال فترة ما قبل الإستقلال من هيمنة «المارونية السياسية»، ومن ثمّ الغبن المسيحي بعد «اتفاق الطائف» وحتى اليوم حيث ينتخب المسلمون عدداً كبيراً من المقاعد المسيحية.


وما يلفت الإنتباه، أنّه للمرّة الأولى منذ ولادة لبنان الكبير يُقرّ قانونُ انتخابٍ على أساسٍ نسبي مئة في المئة، بينما كانت كل القوانين بلا استثناء تعتمد النظامَ الأكثري الذي سمح للمحادل الكبيرة بالسيطرة على المجلس وفرض النواب من دون أن تكون لهم أيُّ حيثية شعبية.


واللافت أيضاً، أنّ عام 2017 هو عامُ العجائب والغرائب من ناحية القانون الإنتخابي، حيث ذهبت القوى السياسية في معظمها الى قانونٍ نسبي قد يُفقدها عدداً مهمّاً من المقاعد في كل الأقضية، كما أنّ نتائجَه تبقى مبهمة الى حدٍّ ما، فيما كان الأكثري يسمح بمعرفة النواب سلفاً.

وهنا يُطرح السؤال عن هدف القوى السياسية من هذه الخطوة: فهل أتت عفويّةً من دون حسابات واضحة، أو جاءت إستجابةً لصرخة المسيحيين من الإجحاف اللاحق بهم، أو إنّ الطبقة الحاكمة تظنّ نفسَها تملك من القوّة ما يجعلها تتحكّم بالنتائج مهما كان القانون الإنتخابي؟

والجدير ذكره، أنه قبل إقرار قانون الإنتخاب شهدت البلاد موجةً من التصعيد السياسي والطائفي اللامحدود، وترافق إقرارُ قانون النسبية على أساس 15 دائرة في 16 حزيران 2017 مع تمديدٍ ثالث لمجلس النوّاب لمدة 11 شهراً، ولم يواجَه هذا الأمر باعتراضاتٍ شعبيّة أو ثورة للحفاظ على النظام الديموقراطي.

وعلى رغم الإصلاحات التي كانت مرافقة للقانون الجديد، فإنّ معظمها سقط، مثل التسجيل المسبَق والإقتراع في مكان السكن واستعمال البطاقة البيومترية، ولم تتجاوز أرقام المغتربين المسجَّلين الـ93 ألف ناخب على رغم رحلات السياسيين ونداءاتهم لشدّ الهِمَم والدفع نحو مشاركتهم في إنتخاب برلمان وطنهم الأم.

كل تلك الأمور رافقت إقرارَ القانون، لكنّ الشيء الغريب أنّ معظم الناخبين لم يعرفوا حتى الساعة كيف ينتخبون على أساسه، وكيف يُحتسب الصوتُ التفضيلي وكيف يفوز المرشّح، وما هي الألاعيب الإنتخابية، حتّى إنّ الأحزاب الكبرى ما زالت تدرّب ماكيناتها عليه، فكيف الحال بالنسبة الى المرشحين العاديين والمستقلّين.

وما يزيد غضبَ المواطنين هو إجبارهم على التصويت للائحة مكتملة في بلد يغيب عنه نظام الأحزاب، وتتقدّم التحالفاتُ السياسية والمصلحيّة على البرامج والأفكار.

لكن ورغم بعض المساوئ، يترك هذا القانون نافذة أمل ولو صغيرة نحو التغيير، مع العلم أنّ الأكثري أو النسبي ليس المشكلة، بل المشكلة الأساس في طريقة التفكير العشائري والطائفي والمذهبي التي تمنع المحاسبة وتجعل البيك والشيخ وأصحاب الألقاب وأزلامهم نواباً وزعماءَ إلى أبد الآبدين.