ثمة محاولة لتكريس تفاهمات قديمة كانت سائدة ما قبل الطائف لأهداف متعددة من شأنها أن تعيد قراءة الحسابات السياسية بطريقة غير متجانسة مع الواقع الجديد الذي يراد اغتياله
 

ينعم لبنان بسلام بابا نويل الذي حمل في كيس الميلاد هداياً للجميع ولم يترك أحداً إلاّ وأهداه من لعبه ما يسرّ القلب ويفتح شهيته المغلقة تحسّساً لنكهة سياسية خاصة بعيديّ الميلاد ورأس السنة حيث تكثُر فيها دعوات القداديس والقدسين من المسؤولين المباركين بأبخرة الأعياد.
لولا الموضوع الخلافي من دورة 1994والتصريح الرئاسي أمس واكتفاء الرئيس نبيه بري بالقول: بأن الليلة عيد لاستمرت أجواء الأعياد ولسيطرت على الطقس السياسي لسنة 1918وباتت سنة مشهودة ومعهودة باستقرار التفاهمات في الصغيرة قبل الكبيرة بين السياسيين اللبنانيين ولكانت الانتخابات النيابية نتيجة طبيعية للتفاهم القائم بين أقطاب السياسة ولكن حجم الخلاف الصغير في التفصيل القانوني سمح باستقراء الواقع السياسي بين الجهابذة بطريقة التفاهم على تنظيم الخلاف في أمور ومواضيع كثيرة ومن بينها الانتخابات النيابية المرتبطة بشكل أو بآخر بالهوية السياسية للرئيس القادم وهذا ما سيجعل التحالفات النيابية  قائمة على طبيعة هذه الهوية خاصة كما أن التجربة قد أعادت خلط أوراق التحالفات بين القوى المتفاهمة على الهوية السياسية للرئيس نتيجة مستجدات في الممارسة السياسية للتيارات الفاعلة في الحياة السياسية.

اقرا ايضا: رشاشات كلامية ضدّ أميركا

أمام كل معضلة تتسع دائرة الهوة الخلافية بين المتفاهمين في الشكل لا في المضمون وتُبنى على ذلك احتمالات كثيرة منها تغير خارطة التحالفات و إعادة التموضع في أمكنة مغايرة لتحسين شروط ما في التركيبة السياسية وهذا ما فعله اللبنانيون في أكثر من مرحلة ومن تجربة فالجميع انتقل من موقع لآخر بحسب ظروف ومقتضيات الانتقال القسري أو الطوعي وهذا ما ينسحب حتى على العلاقات المنتظمة مع الدول الفاعلة والمؤثرة في السياسة اللبنانية.
لا رهان على الخلاف بمعناه الجذري بقدر ما هو طبيعة ناشئة من هوّة الاختلاف بين الأقوياء بعد أن سادت فترات من الخلل في التوازنات الرئاسية وهذا ما كرّس محاصصة ما أو تفاهماً ضرورياً لإبقاء التعاون سيد الساحة السياسية وهذا ما ضمن للجميع أدوارهم في سلطة لا تُحكم الاّ بالتفاهمات المسبقة بين مكونات السلطة والمجتمع لابقاء الوحدة بمفهومها الوطني بساط سياسي ممدود للطوائف كي تستريح عليه.

اقرا ايضا: المسيح الفلسطيني وترامب يهوذا الأسخريوطي وعهد التميمي

ثمة محاولة لتكريس تفاهمات قديمة كانت سائدة ما قبل الطائف لأهداف متعددة من شأنها أن تعيد قراءة الحسابات السياسية بطريقة غير متجانسة مع الواقع الجديد الذي يراد اغتياله أو تعديله لصالح واقع غير مرتبط بموازين القوّة المفروضة ومن هنا يحذر الرئيس نبيه بري ويحرص على عدم المس بطرف الواقع القائم مخافة الوقوع في فخ منصوب بشكل جيد لاصطياد الطائر المستعصي على الأفخاخ ومهما كانت مُحكمة بحيل الصيادين وإن كانت مشروعة.
يبدو أن الالتباس المستجد على خطيّ الرئاسة سيطوى بالطريقة التي يريدها كل طرف ولا امكانية للتراجع لأن في ذلك كسر سياسي لعصب أساسي في السياسة وهذا ما سيضعف من معنويات القوّة الفائضة وسيزعج جمهور الغلبة الطائفية خاصة وأن المادة الخلافية بين الرئاستين مادة دسمة وليست مادة لا تحتمل أكثر مما هي اختلاف في الرأي أو التفسير ومع ذلك بدت حكمة الحكيمين في أكثر من امتحان عنصر أمن وآمان للبنان الذي يتطلع الى غد أفضل والى وعد صادق ينجيه مما هم فيه اللبنانيون من بؤس مصيري واجتماعي بعد أن امتحنتهم الحروب و أخذت منهم كل غال ولم تبق لهم سوى أطلال يبكون عليها كلما تذكروا أمواتهم.