المسلمون وبالأخص الشيعة منهم يبحثون عن معنى الفرح الجماعي في مناطقهم
 

بالرغم من الإهتمام الكبير عند الطبقة السياسية وإزكائها لكل ما هو خلاف طائفي، والتشدد بابراز هذا التمايز بالهوية الطائفية لما يشكل لهم هذا "التدين السياسي" من تفسخات في المجتمع اللبناني يستطيعون من خلاله فقط التسرب إلى مواقعهم الرسمية، والإحتفاظ بكراسيهم الذهبية والنفطية والتحاصصية.
يأتي في كل عام بمثل هذه الأيام مناسبة ولادة المسيح فتظهر عجيبة الإنصهار الوطني بأحلى تجلياتها، فيتهافت المسلمون على إحياء هذه المناسبة وتعم مظاهر الفرح على إمتداد الساحة اللبنانية من بنت جبيل جنوبًا إلى أعالي عكار شمالاً بشيء يشبه العجيبة الإلهية.
كان يمكن للمسيح النصراني نفسه المولود في المغارة، الرب أو ابن الله أو الوسيط الوحيد بين الله والبشر،  أو عيسى ابن مريم  المسلم النبي البشري المولود تحت النخلة، أن يكون مادة خلافية أولى، ومحل تذابح عقائدي ديني، إذا ما قاربنا الموضوع بخلفية فكرية جافة أو بخلفية دينية كما يشتهيها تجار الهيكل. 

إقرأ أيضًا: عهد التميمي: قدس ثانية تضيع
اللبنانيون قرروا بهذا اليوم تلقائيًا، بأن يرموا اعتقاداتهم وما زرع في عقولهم جانبًا، ويذهبوا جميعًا إلى مساحة مشتركة بينهم يبحثون بلهفة عنها، علها تشكل في لا وعيهم بقعة ضوء تعمل الطبقة السياسية منذ عقود على إطفائها، بالخصوص إذا ما كانت مناسبة دينية، فإن لها حينئذ وقع أقوى بكثير من أي مناسبة وطنية يفترض أن تكون هي الأخرى مناسبة جامعة، لأن باللاوعي اللبناني المطلوب القول بأننا قادرون أن نجتمع في المكان الذي تفرقوننا فيه، وأن نتوحد حيث تريدون فرقتنا، كفعل تحدي لا شعوري في وجه كل المآسي والأزمات المفتعلة.
والأكثر إلفاتًا في هذا السياق هو الإندفاعة الإسلامية، وما يقوم به المسلمون من مظاهر إحياء وعناية وإهتمام بهذه المناسبة الجميلة، فلا يكاد بيت مسلم أو مدينة وحتى دسكرة إلا وأحيت شعائر هذه المناسبة وعلى نفس الطريقة التي تمارس في المناطق المسيحية، حتى صرنا نقرأ ومن باب الطرفة دعوات إفساح المجال للأخوة المسيحيين بأخذ الصور لهم أمام شجرات الميلاد وأماكن الزينة وإظهار مظاهر البهجة.

إقرأ أيضًا: جريمة أحمدي نجاد أعظم من سرقة المال العام
قد لا تكون الإندفاعة الإسلامية على ضفتيها الشيعية أو السنية، منطلقة دائما بخلفية الإحساس بالوحدة الوطنية، ولا هي بالضرورة بخلفية التعظيم لنبي من أنبيائهم، فذكرى ولادة نبيهم أو وليهم لا تستحوذ منهم على كل هذا الإهتمام، ليطرح التساؤل هنا عن سر هذه الظاهرة ؟ وعن المحرك الخفي وراء هذا الشغف الإسلامي؟ 
أعتقد جازمًا بأن الحاجة عند المسلمين السنة كما عند الشيعة إلى مظاهر الفرح والسعادة والبهجة والإحتفالية وفقدانهم لهذا الإتقان والإبداع في إحياء أجواء الفرح، هي التي تدفع بعائلة من النبطية مثلًا للذهاب إلى جبيل أو زحلة لأخذ الصور ومشاهدة زينة الميلاد.
فاذا كانت "زينة الأعياد" في المناطق السنية تكون عبارة عن بعض القناديل المضيئة على إستحياء، فان المناطق الشيعية الغارقة في السواد حتى أخمص قدميها لا تعرف معنى الفرح الجماعي ولا من يفرحون.