أعترف لكَ بدايةً، انه لا يؤخر ولا يقدم في علاقتي بك، ما اذا كنتَ قد ولدتَ من الروح القدس، او ان اباك هو يوسف النجار، الانسان الطيب المتواضع. 

لا بل قد اكون في أعماق اعماقي اتمنى ان تكون "منا وفينا" وان نكون قادرين كبشر ان ننجب امثالك من دون مساعدة الهية او غير الهية. شيء من الغرور ربما، "انسانية مغرورة"، اذا شئت. واعتقد انك تتحمل جزءا من هذه "الانسانية" المفرطة عندي.

اعترف بالتالي اني لم اتحمس يوما، حتى بدافع الفضول الفكري الذي يحركني عادة، للجدال المسيحي حول ما اذا كنت ذا طبيعة واحدة أو طبيعتين. ما شغل بالي هو عدد القتلى الذين سقطوا بسبب هذه الخلافات اللاهوتية، او بسبب الخلافات الكاثوليكية-الارثوذكسية، ولاحقا الكاثوليكية-البروتستانتية.

تحمست اكثر للأبحاث التي سعت إلى التفتيش عن "يسوع التاريخي"، بسلوكه وبيئته وآثاره. وتعرفت إلى المجتمع الذي نشأت فيه، بسلطاته وطبقاته وعاداته وطقوسه.

لكني لم اتأثر مثلا، بأطروحة المؤرخ كمال الصليبي في "البحث عن يسوع"، التي افترض فيها انك اتيت اساسا من منطقة الحجاز.

ربما لتفضيلي "السياسي" والعاطفي ان تكون قد جئت من فلسطين. وخصوصاً بعدما قرأت قصة حياتك التي كتبها المستشرق رينان وهو قد زار فلسطين حين كان يكتب عنك. فقد أخذني كتابه في رحلة رائعة على ضفاف البحيرة وفي ربوع الجليل التي كنت تعلّم فيها تلاميذك واتباعك.

قرأت بين حين وآخر في الأناجيل الأربعة التي تتكلم عنك، لكني لم أتوقف بانتباه، امام الاختلافات او التناقضات بينها. كما اني، ومع تسليمي بصحة ذلك، لم اعر اهتماما فعليا، لوجود اناجيل أخرى غير معتمدة من السلطات الدينية الرسمية.

فرغم شغفي عادة بتحليل التفاصيل والملاحقة النقدية للتناقضات، أجدني في كل ما يتعلق بحياتك، غير مبال وغير مهتم بالكثير من هذه التفاصيل والتناقضات. "كلك على بعضك حلو"، يغني كاظم الساهر. فالحب لا يكترث للتفاصيل، بل يعشق هذا "الكل"، وعندما يبدأ بالدخول في التفاصيل فهي إحدى العلامات بأنه بدأ يضعف، وقد شرع بالتفتيش عن حجج للتراجع.

نعم اعترف بأن ما يهمني هي قيمك الانسانية الاساسية، والباقي اعتبره تفاصيل.

قيمك: الحب اولا. وبعدها يأتي التسامح والسلام واللاعنف، وتحدي السلطات الدينية والزمنية باسم كرامة الإنسان الذي تعتبره "سيد السبت" او سيد الشريعة، كما كان معروفا عند اليهود.

وأيضا قيم احترام الآخر المختلف دينيا واثنيا وثقافيا، وصداقة المرأة والحرص على مرافقتها، واحترام كيانية الأطفال وحكمتهم، ومعاشرة الفقراء والمهمشين والمنبوذين، والشراكة، وبما يشبه الاشتراكية، مع الآخرين، في المأكل والمسكن والموارد المادية.

رغم عدم تمييزي الواعي بين الاناجيل، اعترف بأنني أقرأ في إنجيل متى اكثر من غيره، ومنه على ما اعتقد، تعرفت إلى قيمك الانسانية الاساسية.

واعترف ايضا ان اختياري هذا هو بتأثير من أحد الملحدين الشيوعيين الإيطاليين. فلقد شاهدت، بالأسود والابيض، فيلم "المسيح بحسب القديس متى" لبازوليني، واعجبت به كثيرا.

انت في هذا الفيلم، شاب اسمر من هذه المنطقة، يشع عفوية، جرأة، غضبا وحبا. المشهد بعيد عن صورتك في فيلم زيفيريللي حيث تبدو اربعينيا، شعرك اشقر، ترفع يدك وتنظر إلى الآخرين كالساحر، او باهت الوجه محبطاً كما في فيلم سكورسيزي.

تعرفت إليك اكثر واحببتك اكثر في كتاب Reich عنك، " The murder of Christ". الكاتب عالم نفس فرويدي- ماركسي، من اصل يهودي، اضطهده النازيون والشيوعيون على السواء. يصورك في هذا الكتاب، طاقة حب تشع من جسدك وروحك وحركتك، وتطال جميع الذين حولك. وقد جرى قتلك بسبب طاقة الحب هذه، وما شكلته من تهديد وجودي، لممارسي العنف والظلم والكراهية وحماته.

لا أتوقع منك ان تستغرب لجوئي الى مراجع دون غيرها للتعرف عليك.

انت تعرف اني اعيش في عالم ومنطقة، يصعب فيهما العثور على ما يذكّرنا بك. ولا استثني هنا المؤسسات الدينية المسيحية. "شعبك المسيحي" في الغرب عاد يحنّ إلى اليمين العنصري، في حين ان "شعبك المسيحي" في الشرق يصفق لإجرام الاسد وغارات بوتين وعنصرية ترامب.

حتى انك لو زرت الفاتيكان نفسه، بعظمته وتماثيله الضخمة، ستتذكر الرومان، وستشعر بالغربة، ولن يخطر في بالك انك في مكان يتشبه بك ويحلف باسمك

لكنك لحسن حظك، ستجد البابا فرنسيس هناك، وفيه الكثير من خصالك الحلوة. بالله عليك، أقنعه عني، بأن يأتي لترؤس قداس الميلاد في القدس المحتلة في فلسطين. فليكن ميلادك هذه السنة كالقيامة، من على باب قبرك، وامام أعين قاتليك.

ستسألني على الارجح، لماذا اعترف لك، رغم اني غير متأكد من انك موجود الآن، او انك تسمعني.

شكوكك في محلها. لكن هل تذكر عندما قلت، أنه كلما اجتمع اثنان باسمك تكون انت ثالثهما؟

وانا اعترف لك، وهذا اعترافي الأخير لك في هذه المناسبة، أنه كلما اجتمعت انا مع نفسي بصدق، تكون انت ثالثنا.