يا يسوع الصغير، المولود...

ناديتني في عيد ميلادك، كما تنادي ضمائر الأحرار جميعاً، فلبيناك، ومن نحن، أبناء الأرض، لنقول لإبن السماء لا.

ها أنذا يا يسوع، هاأنذا...يا راعي الخراف...ها آنذا، أيها الإنسان المتأله بطاعة أبيك. لأن من يؤمن بالآب، يعطيه سلطاناً أن يصبح إبنه...كما أنت قلت في الإنجيل على لسان يوحناك البشير. يصير ملاكاً، أقرب الناس إلى الألوهة...

إلتقينا يا يسوع في عيد ميلادك منذ عام، وأنا لا أزال منذ ذلك الحين، أبحث عنك في كل مكان، على مذبحك في الكنائس، في مصلاك في الخلوات والجوامع، في قدس الأقداس في الكنيس، في توراتك، وفي الإنجيل، وفي القرآن، أبحث عنك يا يسوع، ولا أزال.

كيف ترى الأمور من عليائك أيها البار، وهذه الأرض التي تركتها قد امتلأت بالفجرة، والقتلة، واللصوص...قد عاث فيها الظلمة والقتلة والسرقة فساداً.

أما آن لنا أن نتوب يا سيد، ألم يقترب بعد ملكوت السموات، أم أن كثرة أولاد الأفاعي الذين يرون أن بإمكانهم أن يهربوا من الغضب الآتي، فلم يعودوا يصنعوا ثماراً بالتوبة، قد شجع عقارب الشر أن تخرج من أوكار النفوس، فحق على تلك النفوس الخبيثة أن تكون كالشجرات التي لا تصنع ثماراً جيدة، أن تقطع وتلقى في النار.

يسوع، إسمعني أيها الفتى الجبار، إسمعني أيها الكريم المعظم... أجبني، لماذا قلت ما قلت؟ ضربونا على خدنا الأيمن، فحولنا لهم خدنا الأيسر، فلطمونا عليه أيضاً، فسكتنا، ولم نجب، فحسبوا ترفعنا جبناً، وسكوتنا مهانة، وتواضعنا ضعة، وإنفتنا خوفاً، أفلا تقل لهم يا يسوع ألا يكونوا مخطئين؟

لم يسألوننا، نزعوا عن القمصان، والأردية، وسلخوا معها جلودنا، ونهبوا حتى آلامنا، ودموعنا، ودمائنا، حتى الأحلام نزعوها منا، فاأمرنا يا سيد، نحن بين يديك، وطوع بنانك، أرشدنا، ماذا نفعل. ماذا نفعل وقد طمع بنا الطامعون، وحسدنا الحاسدون، فسيرونا معهم أميالاً لا ميلاً ولا ميلين. بل وركبوا على أعناقنا، وظهورنا، ولا يزالون راكبين، ويدفعوننا لنقاتل بعضنا البعض، لحفظ عروشهم، ولضرب بعضنا ببعض، لبقاء سلطانهم، باطلة الأباطيل...

صلينا من أجلهم، أحببناهم، أحسنا إليهم، فما إزدادوا إلا غياً، وشقاوة في أنفسهم، وعتياً، أترى أباك قد أصم آذانه عن سماعنا، أترى الذين يدينونقد أصبحوا أكبر من الإدانة، أترى فاعلي الآثام قد أضحوا أكثر تأثيراً على أبيك منك، ام أنك لا تزال تمهلهم على تمردهم، لأنه سيأتي اليوم الذي تأتي مع جنود أبيك، من أجل القصاص والفصل، بين الخراف والجداء.

قد كثر الأنبياء الكذبة يا يسوع، كثر الذين يأتوننا بلباس الحملان، إحم قطيعك يا سيد، قبل ان تتناهشه أنياب الأفاعي، ومخالب الجوارح، وفكوك الذئاب، أدخل أيها الملك، لتنظر المتكئين، وأرسل جنودك لقتل القاتلين وإحراق مدينتهم، فقد جاروا على المستضعفين، أجبابك وأحباب أبيك.

قد كثر المسحاء الكذبة أيها المسيح، وعدونا بأورشليم السماوية، ومنعونا أن نبني أورشليم الأرضية، بل بنوها كما هم يريدون، إمبراطوريات للحيات أولاد الأفاعي، بريئة منك، وأنت منها بريء.

ظنوا أيها السيد المعظم، أنهم أنت، إن هدموا الهيكل يقيمونه بعد ثلاثة أيام، كما فعلت أنت .فبدأوا بإزالة الأعمدة، ولما تداعى فطنوا إلى أنهم يخلون من الروح الحي القدوس، وأن الهيكل إن تهدم، سيسقط على رؤوس الجميع، فندموا، ولكن لات ساعة الندم، الهيكل يتهدم يا يسوع، فتعال، وإحمل معنا، وإلا، فموتاً سنموت.

تعال ثانية يا يسوع الحي واطرد تجار الدماء من هياكلك، تعال أيها البرق اللامع من المشارق إلى المغارب. تعال أيها الطوفان الحقيقي، أدخل أيها العريس، وأغلق الباب، لتبقى الجاهلات خارجاً، فلقد سئمنا الجهل والتجهيل، والفساد والإفساد، والقهر والقمع والظلم والخوف والإرهاب...

لم يسمعوا صوتك، في محبتك الغاضبة تصرخ: " لا.. لا يجتمع حب الله مع كره إنسان".فهم على الكره والتكريه يعيشون، ألفوا الظلمات، فهيهات أن يقبلوا إلى النور، كيلا يفتضحوا بأعمالهم. لأن أفعالهم يا سيد خبيثة، خبيثة.

هم عميان يا سيد، عميان العيون وعميان القلوب، هم تجار الهيكل الذين قلبت موائدهم، أعادوا تركيزها، وتاجروا بالدماء، هم أشباح لا أرواح فيها، ونحن مع ذلك ملزمون أن نهتدي بهديهم، ونمشي في دربهم، ونتحمل وزر أفعالهم، لم تسمح بذلك يا يسوع.

لست لأقنط من محبتك يا يسوع، فالمحبة هي الدرب الوحيد المتبقي للحشر مع الخراف، في محبتك الامتناهية تضيع الآلام، وتذوب المصائب...أنت هكذا قلت، يا نور العالم، هكذا وعدت، من يقل قولك لا يرى الموت أبداً، وأنت نعتنتا بأننا ملح الارض، واأسفاه على الملح الفاسد يا سيد، وما بعد الملح، ففسادهم قد أفسد حتى غذائنا، وحتى دوائنا، فمتى ستدعو رب الجنود، لإحراق المدينة الظالمة؟

أيها السيد المسيح، يا روح الله المقدس، في ذكرى ميلادك، أقول، لم يعد لنا إلا الرجاء، فقد زادت الآلام والمصاعب والشدائد، ساعدنا يا يسوع، أنصرنا، أنقذنا، خلصنا...أنصر لبنانك يا يسوع، أنصر الخائفين، والمتعبين، والمظلومين، والمعذبين، هكذا أوعدتنا يا سيد، فمتى توفي الوعد، متى تعود، لنفرح مجدداً، لتطرد تجار الهيكل، لتشعل ثورة الإنسانية، والحق والحياة...عد يا يسوع...لنفرح معاً، بالميثاق الجديد، بالحق، والروح..