على رغم الإهتمام بالوضع السياسي أخيراً، يبقى الهاجس الأمني مسيطراً على الداخل اللبناني، ففي وقت بقي لبنان البلد شبه الوحيد في المنطقة الذي نجا من الحروب الداخلية وإحتلال «داعش» لمناطق مهمّة فيه، تتّجه الأنظار جنوباً لمعرفة ما إذا ستشكل هذه المنطفة بوابة حرب جديدة
 

لا يمكن فصل الوضع الأمني عن السياسي، خصوصاً مع دخول لبنان عصر التسوية الجديدة الثانية التي تنصّ على مبدأ «النأي بالنفس» وعدم التدخّل في شؤون الدول المجاورة.

ويبرز تشديد داخلي وخارجي على تطبيق القرارات الدوليّة، وفي مقدّمها القرار 1701، الذي أوقف حرب تمّوز 2006 ومنع الوجود المسلّح للميلشيات في منطقة جنوب الليطاني، ونصّ على انتشار الجيش اللبناني و»اليونيفيل» في هذه المنطقة.

ويراقب الجميع الوضعَ جنوباً، خصوصاً بعد الحديث عن وجود ثغرات ظهرت من خلال زيارة قائد «عصائب أهل الحق» العراقية قيس الخزعلي، ما اعتُبر خرقاً لمبدأ النأي بالنفس.

وأمام التحدّيات التي كانت تواجه الجيش في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، وبعد زوال خطر الإرهاب وانهزام التنظيمات الإرهابية في المنطقة، علمت «الجمهوريّة» من مصادر عسكريّة أنّ «الجيش اللبناني يُعيد إنتشارَه في منطقة البقاع الشمالي، وقد سحب من عرسال اللواء الخامس الذي كان ينتشر على التلال بعد انتهاء المعركة مع «داعش» و»جبهة النصرة».

وتؤكّد المصادر العسكرية لـ«الجمهوريّة» أنّ «الجيش كان قد سحب عدداً من الأفواج والألوية من مناطق عدّة ومنها منطقة جنوب الليطاني بعد ازدياد الضغط على جبهة عرسال والقاع ورأس بعلبك، أمّا حالياً فتعود معظم القطاعات الى نقاط تمركزها السابقة».

وتشدّد المصادر على أنّ الجيش ملتزمٌ تطبيق كل مندرجات القرار 1701، وهو على تنسيقٍ تام وكامل مع «اليونيفيل»، وعندما سحب بعض العناصر من جنوب الليطاني، تمّ هذا الأمر بطريقة مدروسة».

وتوضح المصادر أنّ «العمل ينصبّ حالياً على تعزيز الحضور في منطقة الـ1701، وتضع قيادة الجيش إستراتيجية حيث تسعى الى نشر نحو 10 آلاف عسكري هناك، وتقوم باللازم من أجل ذلك، علماً انّها لم تصل الى هذا الرقم بعد».

من جهة أخرى، تؤكّد المعلومات أنّ الجيش لن يسحب أيّاً من أفواج حماية الحدود البرّية الأربعة الى منطقة جنوب الليطاني، لأنّ مهمة هذه الأفواج هي حماية الحدود اللبنانية السوريّة وصونها، من شبعا مروراً بالسلسلة الشرقية وصولاً الى الحدود الشمالية مع سوريا، أي منطقة وادي خالد.

وفي السياق، يؤكّد البريطانيون إستمرارهم في دعم هذه الأفواج وتدريبها وتأمين المعدّات اللازمة للقيام بدورها لكي لا يعود الفلتان الى تلك الحدود التي لم تُضبط منذ قيام لبنان الكبير ونيل الإستقلال عام 1943.

الى ذلك، تشدّد المصادر العسكريّة على أنّ الجيش الأميركي هو حليف للجيش اللبناني، وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد، ففي السابق كان البعض يقول إنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تدعم الجيش اللبناني من أجل محاربته الإرهاب وللصمود في وجه «داعش» و»النصرة» والتنظيمات المتطرّفة، لكنّ هذا الأمر ليس كل الحقيقة.

وتوضح المصادر أنّ الأميركيين أرسلوا رسالة واضحة من خلال هبة الـ120 مليون دولار الأخيرة والتي تتضمّن هيليكوبترات هجومية، وقالوا كلاماً واضحاً بأنّ المساعدات مستمرّة ولن تتوقّف، وبالعكس ستتعزّز وسيشمل التعاون مجالات عدّة، خصوصاً أنّ الجيش اللبناني أبدى تجاوباً وحِرَفيّة في استعمالها، وبالتالي فإنّ الأسابيع والأشهر المقبلة ستشهد مزيداً من الهبات الأميركيّة للجيش.

وعن إمكانية شراء أسلحة من دول أخرى، تشير المصادر الى أنّ هذا الأمر تحدّده الحكومة، والجيش يقدّم لوائح باحتياجاته، لكن حتى الساعة، يتّكل الجيش بشكل رئيس وأساسي على الهبات الأميركية، وكذلك المساعدات البريطانية والهبات المقدّمة من دول عدّة صديقة للبنان.

على رغم التضامن الكامل مع القضية الفلسطينية وحمل لبنان لواء الدفاع عن القدس، لكنّ الأجهزة الأمنية والجميع يؤكّد أنّ تجربة «فتح لاند» التي شرّعت العملَ الفدائي الفلسطيني بعد «إتفاقية القاهرة» عام 1969، لن تتكرَّر ولن يكون لبنان ساحةً مفتوحةً أمام مَن يريد المواجهة.