سوء إدارة عائدات النفط، وصدمة الاستفتاء يعجلان بالانتفاضة الشعبية في إقليم كردستان
 

توسعت دائرة الاحتجاجات في المناطق الكردية التابعة للسليمانية، مركز نفوذ حزب الرئيس الراحل جلال الطالباني وازدادت حدة، في مؤشر على أنها ستتواصل لفترة أطول وقد تمتد إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب رئيس الإقليم المستقيل مسعود البارزاني، ما يوحي بأن العجز عن إدارة الأزمة قد يقود إلى ربيع كردي.

ويعزو مراقبون ومحللون سياسيون هذه الاحتجاجات إلى فشل قيادة الإقليم في استثمار عائدات النفط التي راكمتها في ذروة ارتفاع الأسعار لخدمة السكان، وما يروج من حديث عن الفساد بشكل واسع، فضلا عن الصدمة التي خلفتها مغامرة الاستفتاء خاصة ما تعلق بتراجع الثقة في السياسيين والأحزاب، والخوف من خسارة حلم الانفصال والبقاء في تبعية للحكومة المركزية في بغداد.

وتواصلت التظاهرات في أربع مدن في إقليم كردستان العراق الثلاثاء لليوم الثاني على التوالي للمطالبة بإقالة الحكومة ومحاربة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي.

واندلعت التظاهرات في مدن حلبجة ورانية وكفري في محافظة السليمانية وكويسنجق التابعة لمحافظة أربيل.

وقالت تقارير إن المواجهات أفضت إلى مقتل خمسة محتجين وجرح عشرات آخرين، فيما لوح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالتدخل لحماية المواطنين الأكراد.

وأضرم المحتجون النار بقائمقامية بلدة كويسنجق الواقعة تحت هيمنة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يقوده الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.

وفي مركز مدينة السليمانية نجحت قوات الأمن في تفريق المتظاهرين بعد إطلاق عيارات نارية في الهواء، ومنعتهم من التجمع في ساحة السراي، موقع التظاهر.

وانتشرت قوات الأمن بكثافة في موقع التظاهرة والشوارع الرئيسية وقرب مقار الأحزاب الرئيسية.

ويطالب المتظاهرون الذين خرجوا بالآلاف بإقالة الحكومة وملاحقة الفادسين.

وفي بلدة كفري جنوب مدينة السليمانية، رشق المتظاهرون مقرا للحزب الديمقراطي الكردستاني بالحجارة، فيما قام عناصر الأمن بإطلاق النار في الهواء لتفريقهم.

وقال متابعون للشأن الكردي إن الاحتجاجات لم تكن وليدة اللحظة، وإنها أكبر من أن يتم توظيفها سياسيا لهذه الجهة أو تلك، خاصة حركة التغيير المنشقة عن حزب الطالباني والتي تحاول أن تبدو وكأنها تقف وراء التظاهرات الواسعة، وبادرت من البداية إلى إعلان تبنيها ومساندتها.


الاحتجاجات ليست وليدة اللحظة
وأشار المتابعون إلى أن مقر حركة التغيير قد تم حرقه تماما مثل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب الراحل جلال الطالباني) والحزب الديمقراطي الذي يتزعمه البارزاني، بالإضافة إلى مقار أحزاب أخرى مثل الاتحاد الإسلامي.

وقالت مصادر محلية إن المتظاهرين رفعوا شعارات منددة بالأحزاب كلها، ما يرجح أن الاحتجاجات جاءت لتؤكد فشل الأحزاب في إدارة الإقليم ما بعد غزو 2003، وهي الفترة التي تمتع فيها الإقليم بوضع أفضل ماليا وسياسيا في ظل العملية السياسية.

ويعتقد مراقبون محليون أن أسبابا كثيرة تغذي هذه الاحتجاجات بينها تغاضي حكومة الإقليم عن مطالب اجتماعية للمحتجين في سنوات سابقة، لكن السلطات كانت تميل إلى اعتبار أن تلك المطالب غطاء لأهداف سياسية.

ولم يتسلم الموظفون في حكومة الإقليم رواتبهم منذ ثلاثة أشهر. ويعاني القطاع من ركود اقتصادي وأزمة حادة، الأمر الذي دفع العشرات من الشركات المحلية إلى إغلاق أبوابها.

وشهدت نهاية 2015 احتجاجات كبيرة شبيهة بما يجري الآن، حيث رفع المتظاهرون شعار “الخدمات والرواتب” مطالبين بمحاربة الفساد واستقالة حكومة الإقليم. كما صبوا جام غضبهم على الأحزاب المشاركة في الحكومة. وفي 2016 تظاهر الآلاف من المعلمين ضد تأخر صرف الرواتب، موجهين اتهامات للحكومة بالفشل في استثمار عائدات النفط الكبيرة في فترة ارتفاع الأسعار.

وتوقع هؤلاء المراقبون أن تتمدد هذه الاحتجاجات لتشمل أربيل ومختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب البارزاني، لافتين إلى أن الشعارات التي رفعت إلى حد الآن لم تستثن أي جهة أو حزب، ما يعني أن الغضب يشمل مختلف مكونات المنظومة الحزبية والسياسية، وأنها قد تكون مقدمة لربيع كردي أوسع.

وتسعى حركة التغيير، التي قاطع وزراؤها ونوابها، جلسات الحكومة والبرلمان لفترة طويلة، إلى ركوب موجة الاحتجاجات، وإصدار بيانات وتصريحات توحي بأنها تقود المظاهرات رغم أن محافظ السليمانية هفال أبوبكر ينتمي إليها وهو من سعى الاثنين إلى امتصاص غضب المحتجين وحث على التحركات السلمية.

وأكد عضو المجلس الوطني لحركة التغيير كاروان هاشم، الثلاثاء، أن منطقة كردستان ستشهد حركة اعتصامات واسعة الأسبوع المقبل، مبينا أن الأوضاع القائمة في كردستان لا تحتمل في ظل الجمود السياسي الحالي.

لكن البعد الاجتماعي للاحتجاجات لم يمنع من ظهور مطالب سياسية خاصة الدعوة إلى استقالة الحكومة بسبب الفشل في إدارة ملف الاستفتاء وما خلفه من خسائر على الأكراد، خاصة خسارة مناطق حيوية مثل كركوك.

وقال أحد المتظاهرين وهو شاب جامعي في كفري، مخاطبا حكومة الإقليم “لم تستطيعوا الدفاع عن المناطق المتنازع عليها (واليوم) لا تستطيعون إدارة النصف الباقي”، في إشارة إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط التي استعادت الحكومة الاتحادية السيطرة عليها مع مناطق أخرى.

وفقدت السلطات الكردية التي كانت تسيطر على الآبار النفطية في كركوك نحو ثلثي الكميات التي كانت تصدرها بشكل أحادي ومن دون موافقة سلطات بغداد، بعد إعادة انتشار الجيش العراقي في هذه المنطقة في 16 أكتوبر الماضي.

وتصاعدت حدة التظاهرات المعارضة في الإقليم على وقع الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها سكانه جراء تمسك مسعود البارزاني بإجراء استفتاء في 25 سبتمبر الماضي بهدف الاستقلال عن باقي العراق، ما دفع الحكومة المركزية إلى اتخاذ إجراءات عقابية للتمسك بوحدة البلاد.