قد تبدو مستهجَنة حاجةُ منظومة الحكم الحاليّة للّجوء إلى أساليب مرحلة ما قبل العام 2005، للإطباق على ما تبَقّى من الحياة السياسية والتضييق على الحرّيات الإعلامية والعامة
 

الملاحَظ أنّ حملة التضييق هذه استعرَت بعد عودة الرئيس سعد الحريري من السعودية، حيث تمّ توقيف الصحافي أحمد الأيوبي، واستُهدف الإعلامي مارسيل غانم، بجرمٍ تمّ تطريزُه على نصّ قانوني لتحميلِه مسؤولية ما قاله أحد الضيوف السعوديين في برنامجه «كلام الناس»، وبذلك بدا أنّ المطلوب الاقتصاص من إعلاميّ قادر على التأثير في الرأي العام لتوجيه رسالة صمتٍ إلى بقيّة الجسم الإعلامي والسياسي.

في السياق عينِه تمّ التعامل أيضاً مع الخطأ المطبعي للدكتور فارس سعَيد، الذي ادُّعيَ عليه وأحيلَ إلى النائب العام في جبل لبنان، وأبقِي ملفُّه قيد الدرس سيفاً مسلطاً.

تعتقد أوساط معارضة أنّ هذه الحملات المبكرة هدفُها إخلاء الطريق أمام القوى المشاركة في السلطة، قبل الانتخابات النيابية المقبلة في 6 أيار، وتشير الى أنّ تخويف معارضي التسوية يَهدف الى تحقيق مجموعة أهداف:

أوّلاً: إفهام هذه القوى أنّ أركان التسوية محميّون بغطاء داخلي ودولي نالوه بعد عودةِ الحريري عن استقالته، وأنّ يدهم باتت طليقة في التصرّف، وبالتالي لن يتمتّع أيّ مِن قوى المعارضة بأيّ قدرة على تنظيم معارضة فاعلة في غياب أيّ راعٍ إقليمي أو دولي يؤمّن عدمَ التعرّض لهم وملاحقتهم والتضييق عليهم.

ثانياً: إفهامُ هذه القوى أنّ أركان الحكم هم في حالة تضامنٍ وتحالف، وأنّ أيّ تضييق على المعارضة (أو المعارضات) إنّما هو ناتج عن توافق، وقد لوحِظ أنّه وفي وقتٍ كان فريق رئيس الجمهورية «رأس حربة» في ملاحقة الإعلامي مارسيل غانم، لاذ الحريري وفريقه بالصمت على ذلك رغم علاقةِ الصداقة التي تربطه بغانم، ولم يكتفِ الحريري بالصمت بل ألغى حلقتَه التلفزيونية عبر برنامج «كلام الناس»، لأسباب كثيرة، منها تفادي الظهور في البرنامج في وقتٍ يلاحِق فريق رئيس الجمهورية، غانم قضائياً.

ولقد عكسَ الحضور الإعلامي والسياسي في منزل النائب بطرس حرب خريطةً توضِح غيابَ المتريثين أو حضورهم الخجول، وبقيّة المكوّنات السياسية التي يحتفظ كلّ منها بحسابات مختلفة.

ثالثاً: رصد قدرة المعارضة على الرد، وإلى الآن لم يصدر عن هذه القوى ما يشير إلى قدرتها على الالتقاء، خصوصاً أنّ أحد أبرزِ المعارضين (فارس سعيد) كاد أن يَمثل أمام القضاء لسبب مفبرَك، وقد قام بجهدٍ منفرد لمواجهة ما تعرّض له، من دون أن يسجّل أيّ لقاء بين معارضي التسوية.

وعن مثولِه أمام القضاء يقول سعَيد: «ليس صحيحاً أنّ ما تقوم به السلطة يقوّي المعارضة من دون أن تقصد، فهُم يعرفون أنّ أياً منّا عندما يتعرّض للملاحقة دون أن يستطيع حماية نفسِه، فهذا سيعني انعكاساً سلبياً في أوساط الرأي العام، وسيؤدي إلى تخويف فئةٍ كبيرة من الناس وتحييدِها في الانتخابات النيابية».

وتشير الأوساط المعارضة إلى أنّ المسار الذي باتت تعتمده السلطة بعد العودة عن الاستقالة يعكس شعوراً انتصارياً محميّاً بمظلّة «حزب الله»، وهو سيترجم مزيداً من الملاحقات، والحملات، تماماً كتلك التي وُجِّهت إلى شخصيات وقوى سياسية متّهِمةً إياها بخيانة الحريري والغدر به، فالعينُ على الانتخابات، والموعد بات قريباً، وتشتيتُ ما بقي من حالات اعتراض يستلزم بنحوٍ موازٍ تحييدَ المنابر الإعلامية ولا سيّما منها التي لم تلتزم الطاعة أو الصمت.