دقت ساعة الانتخابات النيابية، على إيقاع الدعوة التي وجهها وزير الداخلية نهاد المشنوق للهيئات الناخبة،  محدداً يوم 6 أيار، موعد المواجهات السياسية العاتية في صناديق الاقتراع.
ولكن الوزير المشنوق يُدرك أكثر من غيره، أن المسألة لا تتوقف عند تحديد موعد الانتخابات، على أهمية هذه الخطوة البديهية، لأن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية تطبيق هذا القانون الهجين، سواء بالنسبة لتوحيد مفاهيم بعض البنود والنصوص، وتحديد معاييرها، أم بالنسبة لإعداد الكوادر والعناصر التي ستُشرف على العملية الانتخابية في مختلف الدوائر والأقلام، والتي ستجري في يوم واحد على مستوى كل لبنان.
وزير الداخلية يعلم أيضاً، أكثر من غيره، أن اللجنة الوزارية التي اجتمعت أكثر من مرّة، قبل استقالة الرئيس سعد الحريري، لم تتوصل إلى صيغة مقبولة لتوحيد المفاهيم، والتوافق على المعايير، بل عصفت فيها الخلافات، وكادت تُجمّد اجتماعاتها، التي توقفت عملياً منذ أواخر تشرين الأول الماضي.
وإذا أضفنا إلى هذه العوائق السياسو - تقنية، حالة الحذر وعدم الاستقرار التي يعيشها البلد، نتيجة عوامل خارجية وداخلية متداخلة حيناً، ومتشابكة أحياناً، إلى جانب واقع التردد والغموض والتناقض الذي يحيط بتطبيق قرار سياسة النأي بالنفس، قولاً وفعلاً، كما يردد رئيس الحكومة دائماً، يمكن الاستنتاج بسهولة أن موعد الانتخابات لم يصبح بعد أمراً واقعاً، ومفروغاً منه، طالما بقي الوضع الداخلي مفتوحاً على شتى الاحتمالات، وما يحمله بعضها من سيناريوهات لا تدعو للاطمئنان والارتياح.
لسنا في معرض الحديث عن تحليلات متشائمة من هنا، وتكهنات متفائلة من هناك، بقدر ما هي مؤشرات سلبية، تفاقم مشاعر القلق والإحباط عند اللبنانيين الذين يعيشون، بأغلبيتهم الساحقة، في دوّامة يومية اختلطت فيها الأزمة السياسية مع الاقتصادية ومع المالية، وفرضت على البلد حالة من الكساد والجمود لم يعرف مثيل لها، حتى في أشد أيام الحرب سواداً.
كما أن علاقات لبنان بالأشقاء العرب، وخاصة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، في أجواء من التعثر وعدم الثقة، لم تعرفها من قبل العلاقات اللبنانية التاريخية والوثيقة مع هذه الدول، بسبب ابتعاد لبنان عن الحاضنة العربية، واقترابه أكثر فأكثر من المحور الإيراني، من خلال الدور المعروف الذي يقوم به «حزب الله» في الداخل، وفي الإقليم.
وعوض أن تسارع الديبلوماسية اللبنانية إلى تنقية أجواء العلاقات اللبنانية - الخليجية من الغيوم الملبدة في أكثر من موقع، يعمد وزير الخارجية إلى تجاهل هذا الملف، بل وإلى التصرف بشيء من العناد والكيدية، على نحو ما هو حاصل في تسلّم أوراق اعتماد السفير السعودي وليد اليعقوبي، الذي وصل منذ بضعة أسابيع إلى بيروت!
ولا ندري كيف سيوفق الوزير جبران باسيل بين مساعي رئيس الحكومة، وما يبذله من جهود حثيثة لإنجاح مؤتمر الاستثمار في باريس، ومؤتمر دعم الجيش في روما، ومؤتمر مجموعة الدعم لمساعدة لبنان على مواجهة أعباء النزوح السوري، وبين هذا التدهور في علاقات لبنان بالسعودية والدول الخليجية، وهي الدول التي طالما قامت بأدوار رئيسية في مؤتمرات باريس السابقة، وكانت السبّاقة في تقديم أكبر التقديمات المالية لدعم المشاريع الإنمائية، ومساندة الاقتصاد اللبناني!
ومن نافلة القول التذكير بأن معالجة الأزمات بأساليب التحدّي، والتكابر عن التصدّي للمسببات، تزيد الأمور تعقيداً، وتَحول دون عودة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية، وإلى ما كانت عليه من تعاون، وتفهّم متبادل بين البلدين الشقيقين.
فكيف تكون الانتخابات أمراً واقعاً في ظل عدم الاستقرار الداخلي، والتوتر في المحيط الديبلوماسي؟