سار على منهاج ابن تيمية بعد حوالي أربعمائة عام على وفاته محمد بن عبدالوهاب وعرّف البدعة تقريباً بالطريقة نفسها التي عرّفها ابن تيمية
 

أولاً: مجزرة مسجد الروضة في سيناء

قُتل المئات وجُرح العشرات وهم يُؤدون صلاة الجماعة في مسجد الروضة في سيناء المصرية، قُتلوا بذنب الشرك واتباع البدع الصوفية بزيارة الأضرحة وإقامة الموالد وإطلاق الأناشيد الدينية، وهذا يدفع إلى استحضار الخلاف الفقهي حول "البدعة" ومدلولاتها وأحكامها.

إقرأ أيضا : الصوفية.. بين التراث الإسلامي وصراع المذاهب

ثانياً: الجدال الفقهي حول البدعة

أُثر عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (ر) قوله بخصوص صلاة التراويح إنّها "بدعةٌ حسنة"، وأضاف: "نعمت البدعة هذه"، وهذا التصريح لعمر أعطى العبارة معنىً فقهياً وشرعياً مزدوجا كما يرى د.محمد العطاونة في كتابه " الإسلام الوهابي في مواجهة تحديات الحداثة"، فمن ناحية هناك المعنى السلبي المتضمن في الأحاديث التي تعرّف البدعة بأنّها" مُحدثة أو ضلالة أو مُنكرة" ، وعلى سبيل المثال ما جاء في حديث: "إنّ خير الأمور كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها وكل بدعةٍ ضلالة "، ومن ناحية ثانية اعتمد عمر معنى إيجابياً آخر، وسبّبت هذه الدلالة المزدوجة خلافاً شرعياً بين مجموعتين من الفقهاء: مجموعة أقرت بمعنى واحد، هو المعنى السلبي، ومجموعة استندت على تصريح عمر، وعلى أحاديث تعضد تصريحه، مثل: من سنّ سُنّةً حسنة في الإسلام كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده.. ومن سنّ سنّة سيئة في الإسلام كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً.
وأقرّ الإمام الشافعي المعنى المزدوج للبدعة، وقسّمها إلى قسمين: محمودة ومذمومة، وطورها من بعده علماء الشافعية المتأخرين أمثال: ابن عبدالسلام وأبو شامة والنووي والسيوطي. وأقام ابن عبدالسلام تفسيره الشرعي للبدعة على فئاتٍ خمس معروفة لأفعال البشر: الحرام والمكروه والمباح والمستحب، وأخيراً الواجب، وتوخّى أبو حامد الغزالي البدعة في قضايا معيّنة وتحت ظروف معينة، وابن الأثير قسمها كالشافعي إلى جزئين أساسيّين: مكروهة ومحمودة، وكذلك الطرطوشي وغيرهم.

إقرأ أيضا : فلسفة الحب عند الصوفي
أمّا من أقرّ وأصرّ على المعنى السلبي فهم مجموعة من الفقهاء منوّعي المشارب، وظلّت البدعة عندهم مُحدثة أو ضلالة، من هذه المجموعة: الفقيه المالكي الشاطبي، والفقيه الشافعي ابن حجر العسقلاني، أمّا من اعتمد المعنى السلبي ورسّخ العمل به باعتباره ضلالة تفضي للشرك، فهم فقهاء الحنابلة وفي مقدمهم ابن الجوزي وابن تيمية وابن رجب، فحسب ابن تيمية ينبغي تجنُّب كل ممارسة تجنّبها السلف، وعليه أنكر الاحتفال بالمولد النبوي واعتبره بدعة محدثة. 
سار على منهاج ابن تيمية بعد حوالي أربعمائة عام على وفاته محمد بن عبدالوهاب وعرّف البدعة تقريباً بالطريقة نفسها التي عرّفها ابن تيمية، ولم يقبل بالمعنى الشرعي الذي اقترحه الفقهاء المتقدمون، وعليه راقب الوهابيون عدداً كبيراً من الطقوس والشعائر الشائعة بأنّها بدع، تفتقر للسند الشرعي من عهد النبي وأيام السلف الصالح، على سبيل المثال لا الحصر: الصلاة عند أضرحة الأولياء الصالحين أو الاحتفال بالمولد النبوي أو عيد ميلاد أي شخص، أو قراءة الفاتحة بعد كل صلاة من الصلوات الخمس وإهدائها لمؤسسي الطرق الصوفية، وكان الشيخ ابن باز (وهو من كبار فقهاء الوهابية) لا يُقرّ تصنيف البدعة وتقسيمها إلى واجب وسُنّة ومباح، لأنّ ذلك خلاف الادلّة الشرعية الثابتة عن النبي (ص).
في ظلال هذا الخلاف الفقهي زُهقت الأرواح البريئة بدمٍ بارد في فناء مسجد الروضة في مصر المحروسة.