ماذا نتج عن القمم وعن المظاهرات وعن هذا السيل الإعلامي الكثيف؟
 

بعد قرار ترامب والخطب العربية والاسلامية المنددة بالسيد الأميركي وبربيبته اسرائيل هبّ الفلسطينيون كعادتهم زوداً عن الديار والمقدسات بعد أن صدقوا ما قيل من قبل المسؤولين الرسميين والواعظين من أئمة الأحزاب والجماعة في مشهد عام غطى مساحة الأمّة بكل جحافلها لتوهم أن غداً سيشهد بداية التراجع الاسرائيلي بعد محاصرة الأميركي في سياسات موحدة ضد مصالح الشيطان الأكبر.
صدّق الفلسطينيون ما سمعوا وما رأووا بأمّ أعينهم المفقوءة لأكثر من مرة بمخرز التجربة والخيانة ودخلوا القدس فاتحين لمعركة جديدة ستضاف الى سجل الفلسطينيين في صراعهم المرير مع الموت الذي يحصدهم مع كل موسم وحدث جماعات جماعات ويطرحهم أرض المقابر ليصبح الفلسطينيون الذين يسكنون تحت ترابها المقدس أكثر من الساكنين فوق ترابها المحتل.

إقرأ أيضًا: التاجر الأميركي باع القدس لإسرائيل والآخرون وقّعوا على عقد البيع
ما أشبه اليوم بالأمس لا شيء تغير، الحال على ما هو عليه العرب أعراباً والمسلمون مستسلمون والفلسطينيون في مزاد الثورة والتاريخ يعيد كتابته نخبة مزورة لحقيقته ولجوهره ولا تكتب إلا بحبر النصر أسرار الهزيمة وتصر على الكرامة والشهامة والنخوة والثورة والمقاومة والزحف المقدس من كل جهات الأمّة كفاتحين جُدد في جيش الخليفة لتصل سيوفهم إلى حيث يصل صهيل الخيول.
لقد تسمر العرب والمسلمون أمام الشاشات لسماع خطب من العيار الناري الثقيل وبلغات مختلفة وألسن عربية وأعجمية وانتفخت أوداج السلاطين ومن هم أقلّ منهم شأناً ولقباً وكادت الكلمات أن تغطي سماء فلسطين لكثرة المتفلسفين من أهل الخبرة الخطابية والكلامية والجيل الجديد من جماعات تحرير فلسطين كل فلسطين وعدم ترك أيّ شبر للعدو الغاشم.
ظنت الجماهير العربية الغفيرة أن عبد الناصر استفاق من قبره وقام ليخطب فيها ويقودها في حرب جديدة ولكنها نظيفة من الخسارة طالما أن الأمّة مجتمعة وغير متفرقة على فلسطين ولكنه سرعان ما عاد إلى لحده بعد أن وجد أن الأمّة على ما هي عليه بل زادت من مزقتها ومن اختلافاتها وباتت مشروع فتنة غير قابلة للتشافي والتعافي من موبقاتها باعتبارها مؤمنة بالفتنة العمياء كونها تلامس السلف الصالح في نعيم جناتهم.

إقرأ ايضًا: السيد الأميركي والعبد العربي والإسلامي و الأوروبي والروسي
وفجأة وجدت نفسها أمام حائط مبكى ليهودي يصلي على جنازة القدس وفلسطين وخلفه جموع من البكائين ومن الثوريين الذين أمطرونا بشعارات أكثر رنانة من شعارات الآباء من متخمي الثورات العربية وهكذا غرقنا مجدداً في وحول الواقع المرّ وغلب الفلسطينيون قهرهم بالموت اليومي شعوراً منهم برغبة الانتحار ورمي أنفسهم من سطوح وشواهق الخطابات العربية والاسلامية التي حالت بينهم وبين الحقيقة و كانت سدّاً عربياً منيعاً وحاجزاً أسمك اسمنتاً من الحواجز العبرية.
ماذا نتج عن القمم وعن المظاهرات وعن هذا السيل الإعلامي الكثيف ؟ سؤال يعيدنا في كل زمن سقوط إلى نقطة الصفر إلى لا شيء إلى هوس سياسي رسمي وجنون جماهيري وتوابيت تعبر الشوارع ورصاص أعراس وقراءة مكررة لرواية مملة لا أكثر، ربما لا يفوتنا الأمل الجميل والذي غادرنا منذ زمن والبعض يقول بأنه لم يمر أصلاً علينا ولا علاقة لنا به هو مسودة مشروع من نسج الخيال ولا واقع له كوننا أمّة لا أمل فيها وبها وهي تعيش على روائح الموت الخبيثة والصاعدة من جثثها المنتشرة من طرابلس الغرب إلى صعدة والتي تُزكم أنوف الجميع فتشدهم إلى جهنم لا جنّات فيها كما يتوهم المقاتلون في سبيل سلسبيلها العذب.