تعثّر مسار جنيف بشأن القضية السورية في حلقته الثامنة، ليس مردّه فقط تباعد الرؤى بين الطرفين الأساسيين في الملف؛ النظام والمعارضة السوريين، ولكن أيضا عدم نضج رؤية دولية واضحة لتسوية سياسية تنهي الحرب المستعرة في سوريا منذ العام 2011
 

فشلت النسخة الثامنة من مفاوضات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة السوريين في إحداث أي اختراق نحو الإنتقال إلى التسوية السياسية للأزمة السورية.
وبقي موقف وفد النظام مصرًّا على عدم الإنتقال نحو المفاوضات المباشرة مع وفد المعارضة قبل أن تسحب المعارضة مسألة مصير بشار الأسد من التداول.
وكرر وفد المعارضة نقلًا عن صحيفة "العرب اللندنية" تأكيد جهوزيته للبدء في مفاوضات مباشرة مع وفد النظام دون شروط مسبقة، وهو أمر أكده المبعوث الدولي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا.
في هذا السياق، اعتبر المراقبون أن فشل مفاوضات جنيف 8 سببه عدم وجود نضج دولي يتيح إنتاج تسوية سياسية تنهي الحرب المستعرة في سوريا منذ عام 2011، وأضاف هؤلاء أن ما يحصل في جنيف هو مرآة لتناقض وجهات نظر العواصم الدولية حيال المآلات الأخيرة لسوريا المستقبل، لا سيما بين روسيا والولايات المتحدة.
من جهته قال المبعوث الأممي إلى سوريا دي ميستورا بعد جلسة إنه "لا يمكن لأحد الضغط علينا"، مضيفًا أن المبعوث الأممي ارتكب خطأ بالتعليق في مقابلة تلفزيونية على النفوذ الروسي، الأمر الذي قد يضر بتفويضه كوسيط.
وكان دي ميستورا حث أول من أمس الأربعاء في مقابلة مع التلفزيون السويسري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إقناع الحكومة السورية بضرورة التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب المستمرة منذ نحو سبعة أعوام، وقال إن الانتصار العسكري ليس كافيا، كما ثبت من الفوضى التي حدثت في ليبيا عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وأضاف أنه بعد الإنتصار العسكري الذي أعلنه بوتين في سوريا "لا بد من العمل فورًا على إطلاق عملية سياسية تضم الجميع كي يكون هناك دستور جديد وانتخابات جديدة".
من جهتها قالت مصادر من الوفد المعارض إن النظام السوري مازال غير عازم على الدخول في مفاوضات تقود إلى انتقال سياسي يقود حكمًا إلى إنهاء النظام الحالي، وأضافت أن البيان الذي صدر عن المعارضة في الرياض طالب برحيل الأسد مع بدء المرحلة الإنتقالية، وهذا من حق المعارضة أن تورده في وثائقها، وأن استعداد المعارضة للتفاوض المباشر يأخذ أيضًا بالإعتبار ما أورده النظام داخل وثائقه، وأنه لا يمكن للنظام أن يفرض على المعارضة تغيير مضمون وثائقها قبل أي مفاوضات.
من جهة ثانية تعتبر مصادر متابعة للشأن السوري أن النظام يشعر بتفوقه العسكري ويتمتع بدعم إيراني روسي كامل كما أنه مستفيد من الهزائم التي مني بها تنظيم داعش في سوريا، مما يسمح له بالتمدد عسكريًا داخل المناطق التي كانت خاضعة للتنظيم الإرهابي، كما أنه مستفيد من المواقف الغربية التي باتت لا تشترط رحيل الأسد كحل للمسألة السورية، وتضيف هذه المصادر أن تأخر وفد النظام في الوصول إلى جنيف ثم بعد ذلك غيابه لعدة أيام قبل أن يعود لإستئناف المفاوضات، يعكس تدللًا يحاول النظام السوري سلوكه لتمييع عملية جنيف وتأجيل أي استحقاق يطالب نظام دمشق بفتح ملفات الحل النهائي.
في السياق ذاته، تشير بعض المعلومات إلى أن ما تسرّب من تهديدات وجهها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى وفد المعارضة، والتهويل عليه بعدم وجود أي دعم دولي له مطالبا إياه بإسقاط مسألة رحيل الأسد، يمثل مناورة فاشلة حاول فرضها قبل أن يعتذر في اليوم التالي عما أسماه سوء فهم لما أراد قوله، وتقول المصادر إن دي ميتسورا في التهويل والإعتذار كان يمثل مزاجًا دوليًا منقسما بين أجندتي روسيا من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، ولفتت المصادر إلى أن تهديد دي ميتسورا بأن بديل جنيف هو سوتشي، في إشارة إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي دعت إليه موسكو، يتناقض تماما مع مرجعية أي تسوية سياسية التي يجب أن تكون صادرة عن الأمم المتحدة حسب تصريحات المبعوث الدولي نفسه.
من جهة أخرى اعتبر المراقبون أن قرار الرئيس الروسي المفاجئ بسحب جزء كبير من القوات الروسية العاملة في سوريا هو ورقة ضغط على النظام السوري لولوج العملية السياسية، فيما اعتبر آخرون أن تأجيل موسكو لعقد مؤتمر سوتشي للحوار السوري يعود إلى ضغوط دولية مازالت ترفض منح سوتشي أي غطاء دولي يكون بديلًا عن ذلك في جنيف.