جولة الخزعلي الحدودية، ومن بعده العراضة الأفغانية، أكدتا أن الصراع في لبنان بات مكشوفا
 

لم يكن قد جف بعد حبر البيان الذي أعلنت حكومة لبنان من خلاله صيغة "منقَّحة" لسياسة النأي بالنفس، حتى كان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ينعى، من طهران، النأي بالنفس، فيما تولى أمين عام "عصائب الحق" العراقية قيس الخزعلي، ضربة المعول الأولى في عملية الدفن، حين أطل على العالم من وراء بوابة فاطمة عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
"رسالة الخزعلي" رفدتها "عراضة" على الحدود نظمها حزب الله لـ "مجاهدين" أفغان، جاؤوا يرددون مضمون ما قاله أمين عام "عصائب الحق"، ولعله كان أمرا مقصودا أن تكون "الغزوة الأفغانية" لكفر حمام في العرقوب دون غيرها، أي إلى حيث كانت قاعدة انطلاق العمل الفلسطيني المسلح من لبنان قبل نحو نصف قرن.
هكذا يقترن الكلام بمؤشرات الفعل على الأرض، فيبدو حزب الله في موقع الذي يحدد معنى النأي بالنفس، وأن محور إيران، كما قال الشيخ قاسم، هو صاحب الكلمة، وأن التباهي بـ "السيطرة" على أربع عواصم عربية، يريد أن يسلك طريقه إلى التحقيق في الإلغاء العملي للحدود، مع العراق وسوريا ولبنان.

إقرأ أيضًا: قرار القدس ...ترامب وجد الظرف مناسبا فلم يتأخر
نحن أمام مشهد يختصر بعبارة استباحة الحدود والإستهتار بالقرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701، قد يكون اختبارًا لما تجري تهيئته، أو إعلان نية العودة لتحويل لبنان ساحة ومنصة، وأن المقصود توجيه الرسالة باتجاه الخارج، غداة مؤتمر المجموعة الدولية لدعم لبنان في باريس، الذي أكد ضرورة التمسك بسياسة النأي بالنفس، وحدد الأطر التي يعتمدها المجتمع الدولي أساسًا لاستمرار مد مظلته الحامية للأمن والاستقرار في البلد، وتقديم يد العون له عند اللزوم.
المشكلة لا تنحصر هنا بقدر ما تصبح كبيرة في طبيعة رد الفعل الحكومي. ففي وقت كان يفترض صدور موقف رسمي جامع، حازم في رفض هذا التعدي السافر على السيادة، اكتفى لبنان الرسمي ببيان صدر عن مكتب رئيس الحكومة. ولعله لن يصدر الموقف المطلوب، أبدا، ما يدعو إلى ذلك أن وزير خارجيتنا سبق أن تحفظ على إيراد قرار مجلس الأمن رقم 1559 في بيان المجموعة الدولية، ثم عمدت وزارته إلى ارتكاب تزوير فاضح بتوزيع البيان محذوفا منه الإشارة إلى هذا القرار، ما يعني السير في اشتراطات الطرف الذي يضيره الالتزام بمنطوق هذا القرار، كما بمنطوق القرار 1701.

إقرأ أيضًا: الخزعلي سائح ببدلة عسكرية في الجنوب اللبناني ويحاضر بدولة المهدي
وإذ غاب الموقف الرسمي الجامع في رفض هذا الانتهاك الفاضح للسيادة والحدود، جاء قرار ترامب بشأن القدس ليطلق موجة مزايدات وتخوين، لم يتردد بعض من مسؤولين في الحكم عن اللحاق بها، وإلحاق الضرر بصورة لبنان الدولة عربيا ودوليًا، لقد بلغ الأمر بوزير الخارجية، إلى المزايدة على خطاب محور الممانعة بخطابه الثورجي والشعبوي أمام الجامعة العربية، وكأنه بذلك يكرس، بصورة فجة، انحياز بعض السلطة إلى محور الممانعة، بل لتبدو سياسة المزايدة على الجامعة العربية والهروب إلى الأمام، محاولة مكشوفة للالتصاق أكثر فأكثر بمحور "الممانعة".
بكلمة، جولة الخزعلي الحدودية، ومن بعده العراضة الأفغانية، أكدتا أن الصراع في لبنان بات مكشوفًا، والمواقف الفعلية لم يعد أصحابها بحاجة إلى قفازات. إزاء هذا الأمر، نصبح أمام مسعى متكامل، ما بين حزب الله وبعض السلطة لترجمة ما يردده قادة الجمهورية الإسلامية بشأن لبنان الساحة على حساب لبنان الوطن، وبينما إيران تعلن أن لبنان جزء من منظومتها العسكرية – السياسية، ويغيب لبنان الرسمي عن اتخاذ أي موقف سيادي إستقلالي، يصبح الإستقرار الذي ينعم به لبنان، ليس رهنا بالتزام المجموعة الدولية الحفاظ عليه، بل بمدى ما "يقبل" حزب الله / إيران باستمراره.
وذلك ما يجعل الدويلة تستمر في إملاء مواقفها على الدولة!