أي إنتفاضة فلسطينية جديدة سوف لن تزعج إسرائيل ولا أميركا في ظل الإنقسام الحاد بين حركة حماس ومنظمة التحرير
 

في زمن الربيع العربي الذي ضرب معظم الدول العربية على ضفتي الوطن العربي المشرقية والمغربية وعاث في تلك الدول دمارًا وقتلًا وإجرامًا وإرهابًا، يطل من خلف الإحباطات العربية فصل جديد من فصول الهزائم المتتالية التي منيت بها الشعوب العربية المحكومة بأنظمة ديكتاتورية وقمعية مرهونة لقوى الإستكبار العالمي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية التي تجلت مصالحها بحفظ وحماية هذه الأنظمة الرجعية والغاشمة مقابل إمتصاص دم المواطن العربي وسرقة خيرات بلاده والتحكم بسياساتها وتقرير مصيرها.
فسلبت الحرية والكرامة من وجدان هذا المواطن وتركته تائها في صحراء الضياع يتخبط بين براثن الذل والهوان مسلوب القوة والقدرة على التحرك الفاعل للمطالبة بالحدود الدنيا لحقوقه المشروعة التي ضمنتها له الشرائع السماوية والأنظمة الأرضية، وحولته إلى جثة ملقاة على هامش الحياة وإلى أداة منفذة للمؤامرات الخارجية التي تحاك ضد مصالح الأمة العربية. 
وتمثل هذا الفصل الجديد بالقرار الرئاسي الأميركي بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالربيع العربي هو أحد مظاهر الفوضى الخلاقة التي اعتمدته السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وتحدثت عنه في العام 2005 وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس حيث نشرت مقالًا في صحيفة واشنطن بوست خلاصته هو نقل دول المنطقة من أنظمة شمولية إلى أنظمة ديمقراطية. 

إقرأ أيضًا: إسرائيل تقضم فلسطين والعرب يصلون لأجلها

لكن ما حدث ومن خلال ما رأيناه في تلك الدول التي إجتاحتها رياح الربيع العربي أن رؤوس الأنظمة في هذه الدول قد أزيحت فيما بقيت مؤسساتها أو ما أطلق عليه بمفهوم الدولة العميقة، ونشأت من ثنايا الفوضى التي عمت هذه الدول حركات إرهابية أوغلت في القتل والإجرام والتدمير مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة متلبسة بأفكار وخطاب ديني تقليدي، فارتكبت المجازر و بالغت في التدمير والتهجير والإغتصاب دون أن تقدم أطروحة سياسية واضحة تبين فيها الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها كنشر حقوق الإنسان ومفاهيم العدالة والحرية، مما أدى إلى إقامة تحالفات دولية بالتعاون مع دول إقليمية للقضاء على هذه الآفة الخطيرة، وبقدرة قادر تلاشت هذه الجماعات الإرهابية وغابت عن الساحة وترافق ذلك مع غموض كبير عن مصير قادة وكوادر وعتاد وعدة والمنظومات المسلحة لهذه الجماعات وإلى أين ذهبت وكيف كانت نهايتها. 
وفي ظل هذه الأجواء المحمومة التي تعم معظم الدول العربية وإنفلات حبل الأمن فيها جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والإعتراف بها عاصمة لدولة إسرائيل كفصل من فصول إشاعة الفوضى في المنطقة. 

إقرأ أيضًا: رسالة إسرائيلية مزدوجة لروسيا وإيران

وليس صحيحًا أن القرار الأميركي هو قرار فردي كما يحاولون تصويره وكلنا نعرف دور المؤسسات الأميركية في صناعة القرارات الكبيرة وخصوصًا الخارجية منها. 
فخطوة الرئيس الأميركي جاءت لتزيد من تعقيدات القضية الفلسطينية المتفاقمة منذ نكبة العام 1948 وفي مناخ تعيشه المنطقة العربية مثقل بالأزمات والمشاكل بعد أن أضافت مسألة اللاجئين السوريين والعراقيين فصل جديد أكثر مأساوية إلى القضايا العربية، إضافة إلى مجمل المعاناة التي يعيشها الشعبين اليمني والليبي، وعليه فإن الخطوة الترامبية تأتي في سياق تفاعلات الربيع العربي والفوضى الخلاقة. 
للإشارة فإنه ومنذ إنتفاضة القدس عام 2000 لم يقدم العرب لمدينة السلام غير مواقف الإستنكار والتنديد والخطابات الممجوجة دون أن تقدم أية دولة عربية أو إسلامية حتى على مجرد إغلاق السفارة الأميركية أو قطع العلاقات الدبلوماسية للتأكيد على مكانة القدس عند العرب. 
وأما حالة الغضب والتظاهرات الشعبية فهي ليست أكثر من موجة من غضب عاطفي سرعان ما تبرد وتتلاشى لعدم وجود قيادات سياسية عربية موثوقة تستطيع قيادة الشارع العربي دون الإرتهان للنفوذ الإقليمي. 
والرئيس ترامب يدرك ومعه فريق عمله بأن الصرخات العربية ستخبو وتنطفىء بعد أيام، وأي إنتفاضة فلسطينية جديدة سوف لن تزعج إسرائيل ولا أميركا في ظل الإنقسام الحاد بين حركة حماس ومنظمة التحرير، وهي ليست أكثر من صرخة في واد دون أن يتردد لها أي صدى.