هكذا أنظمة وهكذا أحزاب لا هم عندها إلا أن تُقفل زنازينها على الناس لا أن تفتح على القدس أبوابها المغلقة
 

تهافت في لحظة واحدة كل هذا الجبل من الأوهام الذي حاول محور الممانعة بناؤه على مر سنين طويلة، حتى بتنا نحن نكاد نصدق ما سمي زورا بتوازن الرعب مع الكيان الصهيوني، وبأننا "عنجد" في زمن الإنتصارات، أو فلتقل أننا أرغمنا عقولنا على التسليم بهذه المعادلة الجديدة بالرغم من عدم قناعتنا بها، وبخلفية محض رغبوية لا تمت إلى العقلانية بصلة.
جاء قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، واعتبارها عاصمة أبدية للكيان الغاصب، في لحظة تباهي هذا المحور بالإنتصارات والتشاوف بالقدرات العسكرية والفتوحات "الجبارة" على طريق القدس! فتكشفت الحقيقة التي حاولنا أن نسترها عن عيوننا بالشعارات الرنانة مرة وبالخداع مرات ومرات. 

إقرأ أيضًا: غباء السيد عبد الملك الحوثي وذكاء السيد نصرالله
وقف هذا المحور بكل عجرفته وعنفوانه الذي كان يمارس على شعوب المنطقة، وقف عاجزًا ذليلًا خانعًا خاضعًا إلا عن الهوبرات التي مللنا منها لعشرات السنين، فأزيد وارعد وصرخ من دون أن يجرؤ على إطلاق رصاصة واحدة من الجبهات التي شنف آذاننا بأنه يحضّرها نصرة للقدس وفلسطين، فإذا به يستعيد شعارات ومقولات أكل عليها الدهر وشرب ولم تنتج لنا إلا الويلات والدمار وكانت في الحقيقة بمثابة الأوكسجين الذي يتنفس منه المحتل طيلة المراحل السابقة ليس أكثر.
نستحضر هذا التوصيف بكل آسف، ومع الكثير من الحسرة لا للشماتة ولا للتشفي ولا لتسجيل النقاط السياسية أو التباهي بأن ما كنا نقوله قد أثبت صحته، وإنما بهدف أوحد هو للقول لهذا المحور أولًا، ولكل محبي القدس والقضايا العادل ثانيا، بوجوب إعادة قراءة موضوعية بعيدًا عن الحماسة العاطفية وبعيدًا عن أي مسبوقات الإيديولوجية.
آن الاوان أن ندرك بأن عناصر القوة ليست هي في المقدرات العسكرية بالرغم من أهميتها، ولا هي بعدد الصواريخ أو الإمكانات القتالية، وأن عنصر القوة الأول والأهم والأنجع الذي يتفوق به عدونا علينا هو مقدرته في إقامة دولة مدنية ونظام ديمقراطي حقيقي، يتمتع به المواطن على كامل حقوقه ويتساوى به الجميع أمام القانون فتكون الكلمة العليا فيه للقضاء والقانون فقط وفقط.

إقرأ أيضًا: تعالوا نكره القدس قليلًا
وليس تفصيلًا أبدًا، ما نسمعه من أخبار شبه يومية تأتينا من طرف العدو عن مسؤول حكومي من هنا أو رئيس سابق من هناك مثُل أمام القضاء بتهمة فساد أو سوء إدارة الأموال العامة، هنا فقط يكمن قوة هذا الكيان ومن هنا فقط تكمن إمكانية مواجهته والإنتصار عليه.
وأن أي كلام عن إنتصار وإنتصارات في ظل أنظمة ديكتاتورية إستبدادية يؤبًد فيها الرئيس أو أحزاب تؤله زعاماتها وتفديه بالدم والروح، فهذا ضرب من الخيال دفعنا وندفع وسنبقى ندفع أثمان غالية طالما نحتفظ بهذه الذهنية المتخلفة.
لأن بإختصار، فإن هكذا أنظمة وهكذا أحزاب لا هم عندها إلا أن تُقفل زنازينها على الناس لا أن تفتح على القدس أبوابها المغلقة، مهما حملت من شعارات، وبالقليل من التعقل يجعلنا لا نتفاجأ من الفضيحة المدوية التي أحدثها قرار ترامب، فأرجع هذا المحور إلى حجمه الحقيقي وأهبطه دفعة واحدة من التهديد بمئات آلاف الصواريخ ومحو إسرائيل بسبع دقائق، إلى المقاومة بالسوشيال ميديا والتظاهر وإحراق الأعلام في الشوارع وإجترار تجارب فاشلة لم تلتئم بعد جراحنا منها ومن تجاوزاتها باسم فلسطين والقدس والثورة، بالخصوص نحن في لبنان وفي جنوبه على وجه التحديد.