يشكك كثر بإعلان بوتين الإنسحاب من سوريا
 

بعد أكثر من عامين على تدخلها في الحرب السورية ، أعلنت روسيا عبر رئيسها فلاديمير بوتين بالأمس البدء بإنسحاب القوات العسكرية من سوريا بعد إتمام المهمة.
جاء الإعلان من قاعدة حميميم الجوية الذي زارها بوتين وإلتقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد وكبار الضباط الروس.
وبعد ساعات من تصريحات بوتين ، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بدء عناصر من القوة العسكرية الروسية العودة إلى ديارهم.
ويطرح إعلان بوتين الإنسحاب من سوريا العديد من التساؤلات حول جدية ما قاله خصوصا أنه سبق وأن أعلن منذ أكثر من عام عن إنسحاب روسي من سوريا ولم يف بوعده بل إكتفى بتخفيض جزئي في العديد والعتاد.
وكان أول من شكك في الإعلان البيت الأبيض الذي أبدى شكوكه الواضحة حول الأمر وأعلن في الوقت نفسه أن لا نية لدى واشنطن سحب قواتها العسكرية من سوريا.
فالحملة العسكرية الروسية التي شنتها موسكو على فصائل المعارضة العسكرية السورية وجبهة النصرة وداعش ساهمت في تغيير موازين القوى على الأرض وإستطاع النظام السوري وحلفاءه إستعادة أجزاء واسعة من الأراضي السورية خارج حدود سوريا المفيدة التي كانت تعتبر أولوية للأسد قبل التدخل الروسي.
وإن كانت حجة الروس في تدخلهم هو القضاء على الإرهاب فإن داعش اليوم بما يمثله من رأس لمشروع الإرهاب في سوريا والعراق شارف على الإنتهاء وبالتالي أمنت روسيا مصالحها المباشرة عبر ضمان بقاء قاعدتي حميميم البرية وطرطوس البحرية وتسلمت ورقة التفاوض بإسم النظام السوري وحافظت على حد أدنى من مصالح إيران مع ضمان هامش مناورة للإسرائيليين للتدخل عندما يتهدد أمنهم القومي.
وعن هذا الهامش ، يرى مراقبون أنه سيتسع في حال نفذ بوتين وعده بالإنسحاب وأن الضربات الإسرائيلية ستتكثف على المصالح الإيرانية في سوريا خصوصا في منطقة الجنوب وستزداد الغارات على قوافل حزب الله ، كون الروس كانوا يؤمنون حد أدنى من التوازن بين المصالح الإيرانية والإسرائيلية في سوريا.

إقرأ أيضا : وزير الدفاع الروسي : كتائب عسكرية روسية بدأت الإنسحاب من سوريا
أما على صعيد النظام السوري ، فإن مرحلة الدلع قد إنتهت على خط مفاوضات جنيف والنقاشات دخلت مرحلة حساسة لناحية البحث في المرحلة الإنتقالية ومصير الأسد وشكل النظام ودور الأكراد.
ويلحظ مراقبون أن بوتين يتقصد التسرع في محاولة إقفال الملف السوري لأسباب عديدة أبرزها أن الإقتصاد الروسي يواجه عقوبات أميركية صعبة بعد فشل الرهان على الرئيس دونالد ترامب في إتخاذ إجراءات تغييرية على هذا الصعيد.
أضف أن روسيا تواجه إستحقاقين في العام المقبل الأول هو إستحقاق الإنتخابات الرئاسية حيث يطغى على برامج المرشحين إعطاء الأولوية لمعيشة المواطن الروسي وإن كان البعض يشكك بنزاهة الإنتخابات إلا أن بوتين القوي سيحرص على خوض الإنتخابات بأصول هذه المرة.
أما الإستحقاق الثاني هو تنظيم مونديال 2018 وتخشى روسيا في حال إستمرارها العسكري وتكثيف ضرباتها من ردات فعل إنتقامية أثناء تنظيم هذا الإحتفال العالمي الذي سيدوم لمدة شهر.
ويظهر تسرع بوتين من خلال محطات عديدة كان أبرزها التنسيق الذي حصل مع قوات سوريا الديمقراطية لإنهاء معارك ريف دير الزور على الرغم من أن هذه القوات مدعومة أميركيا وعليها فيتو تركي، وإدخال الطائرات الإستراتيجية الحربية لإنهاء معارك دير الزور والبوكمال بسرعة.
وأيضا من خلال الإتفاق الثلاثي الذي جمع روسيا وإيران وتركيا وسمح من خلاله للجيش التركي أن يدخل إلى محافظة إدلب لترتيب الوضع وإستلام زمام الأمور وغض النظر عن توجهه إلى منطقة عفرين وإنهاء " التمرد الكردي " فيها .

إقرأ أيضا : رويترز : بوتين يأمر بإنسحاب القوات الروسية من سوريا
ترافق هذا كله مع تثبيت مناطق خفض التوتر في أكثر من منطقة وهي كلها خاضعة لسيطرة المعارضة كالغوطة الشرقية وحماه وإدلب والجنوب السوري.
وبالتالي ، فإن الروس في هذه المناطق لم يعد لهم أعداء ، وفي ظل تقهقر داعش لا داعي للتواجد العسكري الكثيف أو الطلعات الجوية اليومية أو أي إنتشار للشرطة العسكرية الروسية في أماكن بعيدة خارج القواعد العسكرية.
ضمن هذا السرد ، جاء إعلان بوتين عن بدء الإنسحاب لكن التشكيك الأميركي يطرح عدة تساؤلات.
 فلا شك أن الإنسحاب سيلحظ تخفيضا في الآلة العسكرية الروسية لا سحبا كليا لها خصوصا أن وضع إدلب لم يستقر بعد والحل السياسي النهائي لم ينضج بعد، ولإتمام ذلك سيكتفي بوتين بنصف قواه العسكرية أو أقل بقليل والذي تؤمنه له قاعدتي حميميم وطرطوس.
ويرى بعض المراقبين  أن مرحلة ما بعد الإنسحاب الروسي ستجعل بوتين متحررا أكثر من أي إلتزامات وضمانات للجانب الإيراني، لذلك يحلو للبعض أن يسمي إعلان بوتين بإعادة التموضع لا الإنسحاب حتى لو أخرج بعض كتائبه العسكرية من سوريا لأغراض إعلامية وسياسية على حد سواء.