ثمّة إستهلاك يومي ممارس لصالح فلسطين وغير مجدي طالما أن الصحوات الفلسطينية مازالت على ما هي عليه وواقفة عند حدود الكلمات وغير قادرة على اتخاذ خطوة فعلية باتجاه فلسطين
 

أعاد ترامب في فعلته الآثمة إحياء ما مات من تجارب سابقة سقطت باسم فلسطين في إمتحانات كثيرة بعد أن أدّت قسطًا لا بأس به من حروب طائشة وطاحنة أكلت من لحم فلسطين أكثر مما أكل العدو نتيجة شراسة غير متناهية لدى ثوار باعوا القضية واكتفوا برفع شعارات ثقيلة لم تود إلى فلسطين ولكنها أودت بنا إلى صراعات لم تزل مفتوحة ولم يلتئم جرحها بعد و إن أخذت أسماء وتواريخ وحروب جديدة.
لقد كشف الرئيس الأميركي غير الآبه بالحقوق وغير الناظر لأمّة العرب وغيرها من الأمم حجم الرصيد الخطابي الرنّان لدى الخلف الذي ورث من السلف فنّ الحديث وزخرف القول بحيث أن كمية الأصوات التي خرجت من الحناجر أمس كافية بإعادة فلسطين من الماء إلى الماء وترك اليابسة حتى يُبللها ماء القدس فيطهرها من نجس الإحتلال.
لم يبق أحد خارج الصورة والكل دخل المشهد ضامرًا وراكبًا واستعادت فلسطين ما خسرته منذ زمن احتلالها وطيلة الدعوات المتلاحقة لاستردادها من الأسر حتى أن أهل اليمين وأهل اليسار اجتمعوا ضدّ القرار الترامبي وخطبوا في الشوارع وفي الصالونات وهتفوا ضدّ المحتل وأذكوا نار الثورة ولكن ماذا بعد؟ سؤال سخيف كونه لم يشهد المدّ الجماهيري والحضور الرسمي لأنظمة مستيقظة وأخرى نائمة ويتهاون بقدرة المنددين على خوض غمار الحرب وتكثيف الغبار فيه اذا ما قرر العدو المشي باتجاه دولة من دول المجيدة.

إقرأ أيضًا: السيد الأميركي والعبد العربي والإسلامي و الأوروبي والروسي
ماذا بعد؟ سؤال لا تلغيه سخافته بل تكرسه نتائجه المنتظرة ممن تظاهروا وخطبوا ونددوا و أحيوا مراسم جنازتي القدس وفلسطين وهنا السؤال ليس اعتراضًا أو استنكافًا بقدر ما هو بحث عن إجابة ضائعة منذ أن ضاعت وبيعت فلسطين ولُزمت القضية لكل الباحثين عنها في الثروات.
يبدو أن همّة البعض مازالت على ما هي عليه وهي تعكس رغبة حقيقية في محاصرة العدو ومعه الولايات المتحدة بعراضة عربية أشبه ما تكون بزفة العرائس التي تنفس عن مشاعر مكبوتة ومن ثمّ تسرّح الناس إلى أماكنهم بعد أن اعتبروا أن مشاركتهم أسهمت في توسيع دائرة الاحتفاء بالعروسين وزادتهما غبطة وملئت البيوت بهدايا البنين والبنات.
ليست عبثًا محاولات العودة إلى الشعارات القومية بعد سقوط المدّ والتجربة القومية وليس من السهل إحياء الخطابات الوطنية ذات البعد الوجداني بعد أن تغلب دور الرغيف على الدور الآخر ومهما حاول المحاولون من أهل اليسار وأهل اليمين من تشييد منبر عكاظ لرفع الصوت على العدو والسوط على الناس الغلبة الباحثين عن أرغفتهم في قمامة الأنظمة، يبدو أن الإسلام السياسي وحده من يتحرك وفق خطوات مختلفة باعتباره الردّ المتاح على قرار ترامب وعلى أي قرار أجنبي عن الأمّة ولكنه يتحرك وفق منظومة مصالح تستبعد فلسطين وتقرب من مشروعية سلطة الإسلاميين على الأنظمة باعتبار أن الطريق إلى فلسطين يمر بإسقاط كافة الأنظمة وهذا إجتراح ليس بجديد إذ أن قوى المقاومة قد رفعت شعارات مماثلة عندما مرّ طريق فلسطين في الأردن ولبنان وغيرهما إلى أن انتهت المقاومة ولم تنته الطرق المؤدية إلى فلسطين.

إقرأ أيضًا: سامي الجميل بطل 1-1-2018
حتى تسقط الأنظمة ويحكم الاسلاميون مسافة زمنية ضوئية ودعوة لحروب داخلية لن تبق ولن تذر أحدًا مما يعني أن ثمّة إستهلاك يومي ممارس لصالح فلسطين وغير مجدي طالما أن الصحوات الفلسطينية مازالت على ما هي عليه وواقفة عند حدود الكلمات وغير قادرة على اتخاذ خطوة فعلية باتجاه فلسطين ومازالت التدابير المتبعة للتعبير عن سخطنا من أميركا والعدو الاسرائيلي هي هي منذ النكبة وحتى اليوم مجرد تظاهرات وخطابات ومازالت القوى المحركة غير مقتنعة بأن مواجهة العدو تكمن في اتباع طرق أخرى مرتبطة بالتنمية وبالديمقراطية التي تصحح من مساراتنا السياسية وتخلق فينا إرادة مستعدة للذهاب الى أبعد الحدود لعودة الحقوق وهنا لا نكون أحزابًا وشيعًا مُبددة بل أمّة متراصة وكتلة واحدة تواجه مجتمعة لا متفرقة كل المشاريع المضرة أو المسيئة لها سواء جاءت من أميركا أو من غيرها.
طبعًا أضغاث أحلام إذ لا أحد يبحث عن قوته في تحسين شروطه الإجتماعية والسياسية لتستقيم دولة بمعايير الدول لا بمعايير المزرعة وهذا ما سيبقينا خارج الفعل وفي حيّز الردود على الفعل لا أكثر وبطرق تضرّ بنا أكثر مما نستفيد منها وما تجربة اليوم إلا دلالة على تجربة الأمس مجرد فقاقيع صابون ما إن تعلو حتى تسقط دون أثر يُذكر.