في صيف عام 1967م، قررت العائلة القيام بزيارة برية لمجموعة من الدول العربية مع مجموعة من أهالي المنطقة الذين يترددون على المزارات في كل من العراق وإيران وسوريا وغيرها. مع أن عمري كان صغيرا، إلا أنني أدركت في هذه الرحلة الطويلة التي امتدت لحوالي ثلاثة أشهر طوال فترة الصيف، أدركت مدى ارتباط الإنسان العربي بتاريخه ومعالم حضارته التي بقيت آثارها في كل هذه الدول.

السفر برا في حافلة مليئة بالمسافرين يشعر الواحد بالأريحية والمتعة، والتنقل من بلد عربي لآخر بما فيه من عادات شعبية ولهجات وأكلات مختلفة يزيد من متعة مثل هذه الرحلة. وعلى الرغم من صعوبة التنقل ووعورة الطرق حينها، إلا أن هذه الرحلة البعيدة المسافات كانت تطوى بأحاديث وقصص وأذكار من الكبار.

مرورا بالكويت، ووقوفا في عدة مدن بالعراق وانتقالا إلى سوريا، كانت المحطة الفاصلة هي زيارة القدس. في ذلك الحين بدأت حرب 67، وطول الطريق كانت أصوات المدافع والهجمات تصل إلى مسامعنا مما جعل الرحلة مغامرة بحد ذاتها، ولكن إصرار المسافرين على مواصلة الرحلة لزيارة المسجد الأقصى كان هو الدافع للاستمرار.

شعر الجميع ونحن في القدس، كأننا عدنا لعصر الإسلام الأول من ناحية ارتفاع المآذن وجمالها وتعدد الأسواق القديمة بمحلاتها المتنوعة وكثرة أسوارها العتيقة، والتنقل عبر شوارعها الضيقة المليئة حركة. زرنا مكان ولادة السيدة العذراء وشاهدنا تماثيلها المتعددة، وفي داخل مسجد قبة الصخرة المبهر هندسة وجمالا توقفنا عند صخرة المعراج، وأرجائه.

شملت الجولة أيضا زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وكذلك كنيسة القيامة التي كانت حينها مليئة بالزائرين من كل مكان، ويلف داخلها الهدوء ما عدا ارتفاع أصواتنا نحن الغرباء الذين لم نعتد على هذه الطقوس.

بعد مرور خمسين عاما على هذه الزيارة الفريدة، لا تزال صورها محفورة في الذاكرة، تسترجع كلما مر ذكر القدس والأقصى لأقف فخورا بهذه الزيارة التي وفقت للقيام بها في ذلك الظرف الصعب جدا من ناحية أمنية وعسكرية. كلنا أمل أن تعود القدس لأهلها قريبا، وأن تفتح الزيارات لجميع الراغبين في السفر إليها.

 

 

صحيفة اليوم