اتّخذ دونالد ترامب موقفه المتفجّر في قضية القدس ثم دعا الضحايا إلى «الهدوء» والتروّي! وقتل الحوثيون علي عبدالله صالح، ودعوا اليمنيين فوراً إلى الهدوء و«الحفاظ على الاستقرار»! و«سبق الفضل» في سوريا أكثر من مرّة على ألسنة أهل الممانعة وبقايا السلطة الأسدية، وإن اختلفت الصيَغ المطروحة وأخذت أشكالاً «ودّية» من نوع دعوة الجماعات المسلّحة إلى سلوك طريق «المصالحات» تارةً! وإصدار الوعود بـ«العفو» عن عناصرها تارةً أخرى، وصولاً إلى خروج قادة «حزب الله» في نواحينا إلى التأكيد المتتالي بأن «القضيّة انتهت» ولا داعي بعد الآن للإستمرار في المكابرة والقتال!.. وأنّ «الانتصار» تحقّق، وانطلقت ورشة التحضير للإعمار!

الجامع بين السياقات المذكورة هو معرفة الحاضّين على «الهدوء» بأنّهم ارتكبوا أمراً كبيراً، مشيناً أو جرميّاً أو استبدادياً أو تسلّطياً أو قهرياً، ويتوقّعون تلقائياً وبديهياً أن يكون هناك ردّ فعل ما على ذلك الارتكاب، من الضحايا والمتضرّرين والمنكوبين والمُصابين والمُبتلين، ثمّ يعرفون بالتأكيد، إنهم توسّلوا في تثبيت أمرهم، طرقاً غير سويّة واعتمدوا العسف والإكراه تبعاً لقوّة يستندون إليها وتعوّضهم عن ضنى الجدال والمحاججة والحوار والنقاش ونتف الشَّعر..

أي تماماً مثلما كانت ولا تزال تفعل السلطة الأسدية: «تنظّم تفجيراً في منطقة سكنية، ثم تعمد في غضون نصف ساعة إلى «شطف» المكان برمّته! كي لا تبقى فيه أي آثار تدلّ عليها! وتعيد فتح الطرقات وتساعد في استبدال الزجاج المتكسّر! وتدعو الناس إلى استئناف «حياتهم» الطبيعية «رداً» على «التفجير» الذي قامت به «المجموعات الإرهابية التكفيرية»!

.. تماماً مثلما فعلت تلك السلطة غداة جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005: باشرت مساء اليوم ذاته في العبث بمسرح الجريمة. ونقلت بعض الآليات المحترقة. وحاولت ردم الحفرة التي سببها الانفجار.. وخرجت أصوات من بعض تابعيها وأذنابها تقول بأنّ «الصراخ» سيستمر لثلاثة أيام وبعدها يعود كل شيء «الى طبيعته»!

في أساس الاستبداد نفي الاعتراض وإخراس المناوئين. ثم ربط الاستقرار ودوامه بمفردة الإذعان التام. ولا يختلف المبدأ باختلاف المكان والزمان وصاحب الشأن وطبيعة «القضية» المطروحة بل تسري المعادلة في كل مقام. ولا تختلف في ذلك دعوة ترامب إلى «الهدوء» بعد قراره الخاص بالقدس، عن دعوة بني حوث في اليمن إلى «الحفاظ على الاستقرار» بعد قتل علي عبدالله صالح، وعن شغف الجماعة الإيرانية - الأسدية بتأكيد وإظهار «عاديّة» الحياة في مناطق سيطرتها، واستمرار دوائر السلطة في العمل «كالمعتاد» في دمشق تحديداً.. وكأنّ المذبحة التي جرت على مدى السنوات الست الماضيات، جرت في زيمبابوي!

ملفت جداً، «نجاح» ترامب في استعارة أداء الطغاة والاستبداديين والتشبّه بـ«قيمهم». مع إنه افتراضاً، رئيس أقوى دولة ديموقراطية في العالم! وملفتة جداً محاولته لتبنّي منطق «الإفلات من العقاب»، وسعيه إلى «شطف» آثار فعلته في أسرع وقت ممكن! وكأنّ شيئاً لم يكن!

.. عرفَ فلاديمير بوتين ماذا فعلَ في الانتخابات الأميركية: الحصان الفائز الذي «راهن» عليه وغذّاه ورعاه، حمله ويحمله إلى أماكن لم يكن يحلم بها أو بالعودة إليها، وجعلَ منه رجلاً عاقلاً وحكيماً ومسؤولاً ومنقذاً للبشرية!!