كم كبير وضخم من الحب، لم يقدم لفلسطين وللقدس إلا الهزيمة تلو الهزيمة، والإنكسار تلو الإنكسار
 

لم يكن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس والإعتراف بها عاصمة لإسرائيل مفاجئًا ولا هو وليد لحظة انفعالية، هو التزام بوعد قطعه أمام ناخبيه أثناء حملته الإنتخابية قبل وصوله إلى البيت الأبيض.
المفاجئ بالموضوع هو هذه الصدمة العارمة (المفتعلة بمعظمها) والغير مفهومة من قبل الشارع العربي والإسلامي، والأكثر إستغرابًا هو هذا الحيز من الوقت عند حكام العرب وغير العرب وشعوبهم من إيرانيين وأتراك الممنوح لهذه القضية في خضم معاركهم وحروبهم وشلالات الدم والدمار الذي يخوضون غماره فيما بينهم على إمتداد الجغرافيا العربية. 
مع قرار ترامب، عادت إلى الواجهة من جديد أمواج "الحب" للقضية الفلسطينية وللقدس تحديدًا، وكأنها احتلت للتو، فتذكرها العشاق الولهين فجأة، متناسين بأنها محتلة ومغتصبة منذ أكثر من خمسين عام ونيف.
مع قرار ترامب، عادت أغاني فيروز، ومرسيل خليفة، رجعت صور مسجد القبة لتملأ البروفيلات، ومعها خطب عبد الناصر وحافظ الأسد، ومقولات قدامى الثوار غيفارا وياسر عرفات وتشافيز، ومقولات الثوار الجدد من بشار الأسد إلى قاسم سليماني مرورًا حتى بحنا غريب ومصطفى حمدان وناصر قنديل.

إقرأ أيضًا: هل يُطلب من الأسد بسوريا، ما طُلب من صالح في اليمن؟
وامتشق شعراء الثورة من جديد أقلامهم، وأعلام الممانعة نفضت عن أرشيفها غبار خمسين عام من الحب والعشق والوله والفداء والتضحيات والبندقية والرصاص والعروبة والإسلام وأولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الأنبياء والذكريات والعبق والتاريخ والجغرافيا وطالعلك يا عدو طالع وكل ما هو يعبر عن حالة الحب والإرتباط والتعلق بهذه المدينة وبهذه القضية. 
كم كبير وضخم من الحب، لم يقدم لفلسطين وللقدس إلا الهزيمة تلو الهزيمة، والإنكسار تلو الإنكسار، وكان أكثر من يستفيد من هذا الحب هم أعداء القدس من جهة، والثوار الكسبة من جهة أخرى ومعهم وقبلهم وبعدهم سلطاتنا الجائرة المستبدة الذين اختبأوا خلف حب القدس ومؤتمراتها ولجانها وفيلقها ويومها ومارسوا أبشع أنواع الإستبداد ولم يقدموا لنا وللقدس إلا التخلف والجهل والإضطهاد والدمار لمجتمعاتنا ودولنا وأوطاننا.
حتى وكأن المعادلة أصبحت على الشكل التالي، كلما أحببنا القدس أكثر كلما خسرناها وخسرنا معها كل شيء وربح الإستعمار والإمبريالية والصهيونية وتشعباتها على الضفتين المستبد المتخاذل والمستبد الممانع.
أكاد أجزم بأنه لو قدر للقدس أن تخاطب الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج وخلفهم الشعوب الإسلامية لقالت لهم: "أرجوكم إكرهوني قليلًا فحالي وأنا تحت الإحتلال أفضل منكم بكثير".