الحديث عن البكاء على هذه الأمة المنكوبة حديث طويل وحدِّث ولا حرج
 

في تاريخنا العربي والأدبي كنا نقرأ عن قصائد تسمى الأطلال، وهي مرتبطة ومتلازمة مع البكاء، قديمًا وحديثًا، حتى تطوَّرت في مجتمعاتنا ولربما فاقت عادات العرب المتوارثة والقديمة منذ ما قبل عنترة وما بعد شداد، ونقرأ من جانب آخر بأنَّ العرب في التاريخ عرفوا بأنهم من أكثر الفرسان بأسًا وعزمًا حتى أنهم يصنفون من المقاتلين الأوائل في صفوف بني البشر، والتاريخ أمامنا ما قبل الإسلام وما بعده ملأت الشواهد والحوادث التاريخية من أشجع الناس مهارة وجدارة في القتل والقتال.

من هنا نظمت القصائد الرنانة والطنانة في الشعر العربي حول الأبطال حتى امتلأت الأشعار والكتب الخافقين في الكون، لكن أن يتطور الأمر بالبكاء عندهم وينسحب تطورًا على السياسة وينتشر كانتشار النار في الهشيم وينتقل بسرعة ضوئية غريبة وعجيبة كالفيروس الفتاك الذي فتك في جسم هذه الأمة، إنه أمرٌ غريب، وما قضية فلسطين إلا نموذجًا صغيرًا أمام الفتك الذي ينتشر في منطقتنا وفي عالمنا العربي والإسلامي، وهنا الكلام كثير وكثير جدًا عندما نريد أن نقارن الماضي بالحاضر الذي أوصلنا إلى الملل والضجر والمرض والخوف والجوع والحروب والقتل والتدمير والبطالة وسيطرة مشروع الوهم والأوهام والتشريد والتهجير وانتشار الأمية حتى أصبحت في أسواقنا العربية والإسلامية.

إقرأ أيضًا: عجائب وغرائب الأمة الإسلامية!

وما قضية فلسطين بجديدة فمنذ إحتلالها من الغطرسة الصهيونية والأمريكية ومن لفَّ معهما بكل الأذناب والأذيال، ما زلنا نسمع من الفلسطينيين أنفسهم (فلسطين راحت) بعد أن قتل الأخ أخاه والمحتل ينظر، وبعد أن تقاتل الحمل مع أخيه أمام عيون الذئاب وهي متلذذة بهذه المشاهد، وما قضية سوريا العروبة أمامنا سوى كومة من الموتى والقتل والدمار والحرق والتشريد والتهجير ونرى كل الفرق متحاربة ومتناحرة بضميمة الفرق والتدخلات الخارجية والداخلية، وما قضية العراق المسروق والمنكوب والمنهوب والمقسوم سياسيًا ودينيًا إلى دويلات ودويلات وفرق وأولوية شيعية وسنية وكردية كلٌّ يغني على ليلاه وبلواه، وما قضية اليمن إلاَّ السوء والأسوء والقتل من قبل العروبة الشامخة والأبية.
الحديث عن البكاء على هذه الأمة المنكوبة حديث طويل وحدِّث ولا حرج، واللائحة ليست قصيرة لكنني أختمها عن لبنان الذي ما زلنا نسمع من بعضنا البعض وعن جميع الشعب اللبناني (لبنان عما يموت عالبطيء وعما يروح شوي شوي) بإختصار إنه يشبه قصة المسرحية الهزلية، ويعتاش في الصباح مما يخزنه في الليل والدول التي قسمتنا وأعطتنا أهم مشروع في الأمة وربما في العالم هو مشروع البكاء، بينما نراها تقدمت وأنتجت ما يحتاجه البشر إلى يوم الدين، ولا يبكون ولا يتقنون فنونه ولا يتقنون فن الضحك بل يؤمنون بحماية شعوبهم ولا يكلون ولا يملون، ولله في خلقه شؤون، وفي بكائنا هموم وشجون وفي بكائنا وبلائنا شؤون وشؤون.