ولّدت أزمةُ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري تخبّطاً في الأسواق المالية دفع المصارفَ الى اتّخاذ تدابيرَ إستثنائية لاحتواء مفاعيل الأزمة، أبرزها رفع أسعار الفوائد الذي خلق رغبة لدى المودعين بالاستفادة من الفوائد المرتفعة على الودائع بالليرة أكثر منه تعبيراً عن الثقة بالوضع السياسي أو الاقتصادي.إحتواءً للأزمة المالية التي نتجت عن استقالةِ رئيسِ الحكومة سعد الحريري، أوعز مصرفُ لبنان الى المصارف اللبنانية برفع الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية من أجل حماية العملة الوطنية في ظلّ الظروف التي رافقت فترة الاسْتقالة، كما لجأت جمعيّةُ المصارف الى رفع الفائدة المرجعيّة في سوق بيروت بنسبة 2 في المئة، ما أدّى الى رفع الفوائد على الودائع والقروض، ناهيك عن ارتفاعِ كلفة التأمين على ديون لبنان وتراجع السندات الدولارية.
أما اليوم وبعد عودة الحريري عن الاستقالة، يبقى السؤال المطروح كم تحتاج الأسواق من الوقت لتعودَ الى سابق عهدها؟
يؤكّد الخبير المصرفي غسان عياش أنّ الأزمة التي عاشها لبنان في أعقاب استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، تُظهر مدى الحذَر الذي يجب أن تلتزمَه الأطراف السياسية في مقاربتها للنزاعات في ما بينها، فتبتعد من التوتير والتصعيد قدر الإمكان.
وأشار لـ«الجمهورية» الى أنّ التجربة التي عرفتها البلاد منذ الاستقالة الملتبِسة كانت قصيرةً جدّاً بالمقياس الزمني، فالمدّة الفاصلة بين الاستقالة وتجميدها ثمّ الرجوع عنها لا تتعدّى الشهر، مع ذلك فقد تركت آثاراً سلبية في الأسواق لا يُتوقّع زوالُها في وقت قريب، رغم الانْفراج الذي تكرّس في اتّصالات رئيس الجمهورية ثم في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء.
وأشار الى أنه «في الأيام الأولى التي تلت الاستقالة، وكما كان متوقَّعاً، شهدت سوق القطع طلباً كثيفاً، لكنه مقبول، للدولار الأميركي وعرضاً موازياً لليرة.
وقد تمكّن مصرفُ لبنان من استيعاب هذه الموجة متسلّحاً بما يملكه من موجودات خارجية تقارب 43 مليار دولار. والآن، بعد انحسار الأزمة ثم اعتبارها منتهية، يعود بعضُ المتعاملين إلى الليرة، لكنّ قسماً كبيراً منهم ما زال محتفظاً بمراكزه بالدولار التي كوّنها في بداية الأزمة».
الى ذلك، تفيد الأوساط المصرفية بأنّ عرض الدولار في الأيام الأخيرة يفوق الطلب عليه، وهذا أمر إيجابي، لكنّ هذا التحوّلَ في «مزاج» السوق يعود إلى رغبة المودعين بالاستفادة من الفوائد المرتفعة على الودائع بالليرة أكثر منه تعبيراً عن الثقة بالوضع السياسي أو الاقتصادي.
واعتبر عياش أنّ «الفوائد على الليرة ارتفعت إلى حدود عالية بلغت 9 بالمئة في بعض المصارف»، بتشجيع من مصرف لبنان خلال الاجتماع الأخير بين حاكميّة المصرف المركزي وجمعية المصارف.
وراى أنّ «هذه الظاهرة سلبية، بصورة خاصة، لأنها تزيد كلفة الديون على القطاعَين الخاص والعام». ولا يخفى أنّ رفعَ الفوائد على الليرة سبقه تشجيعُ مصرف لبنان على زيادة الفوائد على الدولار، بقصد استدراج ودائع بالعملات من خارج لبنان لتعزيز ميزان المدفوعات.
ورداً على سؤال، أوضح عياش أنّ «توازنَ ميزان المدفوعات هو هدف أساسي للسلطة النقدية منذ قرابة السنتين، لأنّ الحسابات الخارجية للبنان تعاني من عجز منذ سنة 2011 استمرّ خمس سنوات متوالية، في وقت تتزايد فيه حاجةُ لبنان إلى تدفّقات بالعملات الأجنبية لتعزيز الموجودات بالعملات، كسلاح لفرض الثبات في سوق القطع، إضافة إلى تمويل دين الدولة بالعملات».
وراى أنّ هذا الهدف هو في صلب العمليات الاستثنائية التي أجراها مصرف لبنان مع المصارف منذ أواسط العام الماضي.
النتيجة، إذاً، أنّ المرحلة تشهد ارتفاعاً في الفوائد على الليرة وكذلك على الدولار، أي إنّ الاتّجاه العام لمعدّلات الفوائد في البلاد هو نحو الصعود، ولهذا الاتّجاه، أي زيادة الفوائد، أضرارٌ وسلبيات.
فهو يزيد مع الوقت كلفة القروض لكافة المدينين، من قروض التجزئة والسكن إلى القروض التجارية والعقارية وسواها، في زمن يتّسم بالركود الاقتصادي.
ومن جهة ثانية هو يرفع خدمة الدين العام ويزيد العجز الكبير الذي تشكو منه المالية العامّة، الذي يزيد على خمسة مليارات دولار في موازنة 2017، وعموماً فإنّ ارتفاعَ معدّلات الفوائد يضرّ بالنموّ الاقتصادي المتراجع أصلاً ويرفع كلفة المعيشة.