هي الجولة الأولى من حرب لم تفاجئ أحداً بين شركاء الانقلاب على الشرعية اليمنية. لكنّها منذ بداياتها، تحمل نهايات كثيرة.. وبغضّ النظر عن تفاصيلها الميدانية فهي أنتجت، بمجرّد انطلاقها، مهزومين ومنتصرين.

قد تصعّب التركيبة المدينية للعاصمة صنعاء مهمّة السيطرة التامّة عليها بسرعة. وقد تشهد معارك شوارع مضنية ومُكلفة، لكنّها لن تصعّب الاستنتاج البديهي بأنها مثلما كانت عاصمة الانقلاب الإيراني، فإنّها صارت وستصير أكثر عاصمة أو عنوان تهافت ذلك الانقلاب وانكسار العمود الفقري لمشروع تحويل اليمن إلى نقطة ارتكاز للانطلاق نحو المسّ بالخليج العربي والتعرّض لأمن دولِه واستقرارها ودور المملكة العربية السعودية خصوصاً، في محيطها بداية والمنطقة تالياً!

قال الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الحوثيين ومشروعهم وممارساتهم ما يكفي لتبخير كل الادّعاءات التي روّجت لها الماكينة الإعلامية والسياسية والتعبويّة الإيرانية بكل تفرّعاتها، (اليمنية واللبنانية، والممانعة في الإجمال) منذ انطلاق «عاصفة الحزم» في آذار 2015.. وأوّل ذلك، وأخطره، أنّه لولا الانقلاب لما انطلقت تلك الحرب. ولما عانى اليمن وأهله من ثلاثيّة الحصار الخارجي والتنكيل الداخلي والتدمير الذاتي الذي أصاب معظم مؤسساته الدستورية والعسكرية والمدنية..

قدّم صالح في ذروة المتاجرة بآلام اليمنيين وأطفالهم، شهادة واضحة (وصاخبة) تحمّل الحوثيين والإيرانيين وأدواتهم، المسؤولية الأولى عن الكارثة التي أحاقت باليمن من شماله إلى جنوبه. وكشَفَ في العموم، استحالة التعايش مع نهج انقلابي تقوده أقلّية مُوَجّهة من الخارج ولا تعوّف طريقة لمحاولة بسط سلطتها على أكثرية «مضادّة» وعلى حساب مصالحها وانتمائها العربي وروابطها التاريخية بجوارها الخليجي خصوصاً.

قد يغيّر علي عبد الله صالح موقفه غداً! وهو الموصوف بالدهاء والذكاء الفطري وبالقدرة العجيبة على التكيّف مع أصعب الظروف وأعقدها.. لكن ما قاله في الثاني من الشهر الجاري لم يعد مُلكه! ولا يمكنه استرجاعه: نكبة اليمن ليست من صنع السعودية والإمارات العربية المتحدة. والكلام عن مظلومية ما ليس سوى متاجرة بآلام اليمنيين وجوعهم وعطشهم ومعاناة أطفالهم من قبل بني حوث ورعاتهم الإيرانيين وخدمةً لمشروع السيطرة والسلبطة وبسط النفوذ الذي يحملونه علناً.. وآخر همّ من همومهم هو ذلك المنسّل من لغويات الأنسنة وكرامة البشر! وثنائية الحق والجور!

أحرق صالح ورقة الاستثمار الإيراني في المأساة اليمنية. وردّ في يوم واحد على مطوّلات التعبئة السياسية و«الأخلاقية» التي اعتمدها عمّال إيران في نواحينا على مدى السنتين الماضيتَين للتغطية على مساعيها الاستراتيجية في تثبيت نفوذها «المحوري» و«القطبي» في «العواصم الأربع» المبتلية بتلك الادّعاءات.. وشهادته، هي شهادة «شريك مضارب» (سابق!) وليست من غيره! ولا من دول التحالف المتهمة «بشنّ عدوان» على اليمن وشعبه!!

في اللغة السياسية المبدئية، أنّ المشروع الإيراني للسيطرة على «كلّ» اليمن انكسر بالتدريج منذ عودة الشرعية إلى عدن ونحو ثمانين في المئة من مساحة الجغرافية اليمنية، لكن هزيمته التامّة تأكدت في صنعاء في انتفاضة أوّل من أمس السبت، حتى لو أخذت الترجمة الميدانية لذلك الاستنتاج بعض الوقت!