السيد الخوئي : إن مدرسة النجف ترى دور علماء الدين لا يقتصر على الدور الثقافي والتربوي حسب، بل إن لهم دوراً ريادياً من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية
 

مُنح السيد جواد الخوئي جائزة أمبادوقليس للحوار بين الأديان من أكاديمية دراسات المتوسط في جزيرة صقلية - إيطاليا لعام ٢٠١٧م ، وتقدم هذه الجائزة للمرة الأولى بعنوان الحوار ولباحث وعالم دين مسلم. 

حضر الحفل جمع رفيع المستوى من الشخصيات الفكرية والعلمية والأكاديمية والدينية الإيطالية والأوروبية، وتحدث الخوئي بهذه المناسبة عن الدور التأريخي المتأصل للحوزة العلمية في النجف الأشرف ومرجعيتها الدينية العليا في ترسيخ مفاهيم التعايش السلمي والحوار بين الأديان والحضارات وحفظ الكرامة الإنسانية. 

إقرأ أيضا : سموم النص ... أول كتاب للشيخ عباس حايك في معرض البيال

وهذا نص الكلمة:

" بسم الله الرحمن الرحيم
 
السيدات والسادة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنه لَمِن دواعي السعادة والامتنان أن أتشرف باستلام هذه الجائزة   التكريمية وبحضوركم الكريم. في الوقت الذي أعدُّ استلام هذه الجائزة فخراً لي، فإنني أودّ أن أنوّه بأنها تقديرٌ للجوهر الحقيقي للدين الإسلامي، ولرسالته في إشاعة المحبة، وتعزيز السلام والعدالة الاجتماعية، والتعايش الإنساني، من خلال تأكيد الوسطية والاعتدال والاحترام للكرامة البشرية.
 
وأؤكّدُ أيضاً أنني أعدُّها تكريما للحوزة العلمية والمرجعية الدينية ولمدينة السلام النجف الأشرف في العراق، التي تدافع دائماً عن تلك المبادئ النبيلة. إن هذه المدينة هي تاريخياً، وكما تعلمون، مركزٌ لتدريس العلوم الدينية في الإسلام المستمد من مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
 
إن مدرسة النجف ترى دور علماء الدين لا يقتصر على الدور الثقافي والتربوي حسب، بل إن لهم دوراً ريادياً من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي وتعزيز المواطنة، ما يجعلهم صوتاً للبشر وخاصة الفئات المحرومة والمستضعفة في المجتمع.
إن دورَ علماء الدين يتجلى بتعزيزِ السلام ونبذِ العنف والتطرف والإرهاب والتمييز والإقصاء والتهميش على المستويات كلّها، وبين مختلف الأديان والمذاهب والأعراق، واحترام حقوق جميع المكونات، وعدم الاعتداء على رموز الآخرين ومقدساتهم.
 
أمّا الدور الإيجابي الذي يمكن أن تقوم به القيادات الدينية من أجل تعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات فما يزال غير مستثمر إلى حد كبير من المؤسسات والمنظمات الدولية والمحلية، وإن هذا الدور للقيادات الدينية لا يتمّ بالطريقة المثلى إلا بالابتعاد عن التدخل في الشؤون السياسية مباشرة، لأن دور علماء الدين يتجلى بالحفاظ على القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية العليا من دون الوقوع في إخفاقات المناورات السياسية التي تسعى في كثير من الأحيان الى مكاسب سياسية ومادية على أساس مصالح ذاتية ضيقة وشخصية بدلاً من التمسك بجوهر القيم والمبادئ الأساسية.
 
لقد ساهمت الحوزة العلمية في النجف، وما زالت، في إبراز الدور الإيجابي للدين متصديةً للقوى التي تحاول إساءةَ استعمال الدين لتأجيج الخلافات الطائفية، لخدمةِ مصالحَ ضيقةٍ سياسيةٍ وشخصيةٍ وإقليميةٍ. وقد رأى الجميعُ ما قامت به المرجعيةُ الدينيةُ العليا للمسلمين الشيعة في العالم بزعامة الإمام السيستاني من دور فعال لوقف التوترات الطائفية، عبر الفتاوى والبيانات الواضحات التي أرستْ قواعد في السلوك المسالم لملايين المسلمين بالعراق وخارجه. ولقد تجلّى موقفُ المرجعية الدينية في أوضح صورة حين دعت إلى دولةٍ مدنيةٍ أي مجتمع متدين ودولة بلا دين يجدُ فيها العراقيون برمّتهم، وعلى اختلاف أديانهم ومذاهبهم، السبيلَ إلى العيش المشترك الكريم.
 
وللأسف فقد برزت في عالم اليوم أقلية متطرفة من الأصوات تمارس الإرهاب باسم الدين، وتدعو إلى التكفير والكراهية، بدلا من إبراز الدور الإنساني للدين في الحياة العامة. وكلنا يشهد اليوم كثيراً من الجرائم البشعة من الهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين الأبرياء، وتدمير دور العبادة والمزارات واضطهاد للأقليات الدينية والعرقية في أجزاء كثيرة من العالم. هذا التطرّفُ لا يفرّق بين المسلمين وغير المسلمين، ولا يستثني البلدان المسلمة ويستهدف البلدان الأخرى،
إننا جميعاً مسلمين وغير مسلمين أعداء له. ونحن في العراق حققنا نصراً عزيزاً على الإرهاب، فانتصارات العراقيين على داعش هي انتصار للعالم أجمع الذي يحمل القيم نفسها، قيم المحبة والسلام والتعايش. من هنا تمتزج دماؤنا معاً في قضية واحدة، وهي القضاء على هذا التطرف الذي يفتك بمجتمعاتنا كالمرض العضال. إن أمنَنا هو أمنُكم، وسلامَنا سلامُكم، فنحن في خندق واحد ضدّ عدوّ عنيف.
 
أملي ودعائي أن تشكل هذه الجائزة تفعيلاً لمساهمتنا في إحلال السلام والمصالحة بين الشعوب. ووضع برامج حقيقية فاعلة لحل النزاعات لخدمة جميع شرائح المجتمع. إننا نطمح أن يصل دور علماء الدين الى مرحلة أكثر تقدماً لبناء مجتمعات مستقرة، والمساعدة في معالجة مشاكل المجتمع كالفقر والحرمان الاجتماعي، وتعزيز الرعاية الاجتماعية والاهتمام بالبيئة، وتشجيع المواطنة الصالحة، واحترام دور القانون.
 
كما يجب العمل على تعزيز علاقات أفضل بين الأديان، وجعل المراكز الدينية مراكز معنية بالتماسك الاجتماعي والاهتمام بشؤون المرأة والشباب والأسرة.
 
وفي الختام يجب ألا ننسى أن نقف ضد الظلم والاضطهاد والتهميش في مختلف أنحاء العالم لدعم حرية الشعوب وإرادتها، والوقوف ضد أي انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية.
باسمي واسم زملائي في بغداد والنجف، أشكركم جزيل الشكر على حُسن الاستماع، وأسأل الله تعالى أن يبارك لكم جمیعاً،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."