المصادر الديبلوماسيّة الغربيّة الواسعة الاطّلاع تعتقد بل تجزم أن رئيس الحكومة سعد الحريري كان “مُحتجزاً” في المملكة العربيّة السعوديّة، بعد تلبيته دعوة مُستعجلة لزيارتها ومقابلة وليّ عهدها الأمير محمد بن سلمان في الرابع من شهر تشرين الثاني الماضي. وهي تعزو التصرّف السعودي إلى رغبة بل إلى قرار بمدّ مواجهة إيران إلى الساحة اللبنانيّة، ولا سيّما بعدما دقّ الصاروخ الباليستي الذي وصل إلى الرياض أخيراً على يد حلفائها الحوثيّين في اليمن جرس الانذار في دوائر المملكة كلّها، ودفع حكّامها إلى استنهاض بل استنفار حلفائها في المنطقة والعالم لمساعدتهم في منع قادة إيران من توسيع انتصاراتهم في سوريا والعراق بحيث تشمل اليمن. وبذلك يصبحون على حدودها بل على تخومها وقادرين على تهديدها مباشرة رغم الحماية الأميركيّة التقليديّة لها، جرّاء التحالف الذي أقامه عبد العزيز آل سعود مع واشنطن بعد تأسيسه المملكة، والذي وثّقه أبناؤه من بعده ويحاول أحفاده الآن أو بعضهم تجديده وتفعيله.
والمصادر نفسها تؤكّد أن فرنسا ماكرون تحرّكت في سرعة لفكّ أسر الحريري وإعادته إلى بلاده، وتشدّد على أن تصرّفها لم يكن منسّقاً مع حليفتها أميركا التي باركته وأيّدته بمواقف علنيّة، اتّخذ أبرزها وزير الخارجية رِيكس تيلرسون عندما وصف رئيس الحكومة اللبنانيّة بصديق أميركا. وهي تعزو عدم التنسيق إلى اختلاف موقف المحور السعودي – الأميركي – الإسرائيلي الذي يقوده الرئيس ترامب عن موقف كبار إدارته الآتين من “المؤسّسة” أي “الاستابلشمانت” كما تسمّى بالانكليزيّة. فاهتمام ترامب يتركّز على الملك سلمان ووليّ عهده وابنه الأمير محمد الذي يؤكّد الجميع داخل المملكة وخارجها أنه يمارس السلطة كلّها فعليّاً. وصهره ومستشاره جاريد كوشنير عبّر بوضوح عن هذا الاهتمام بزيارته الرياض واجتماعه ببن سلمان ساعات طويلة قبل تحرّك الأخير ضدّ الفساد في بلاده، وضدّ رئيس حكومة لبنان سعد الحريري. طبعاً، تضيف المصادر نفسها، لم يضع المحور المُشار إليه خططاً معيّنة مباشرة ضد إيران. لكنّ أعضاءه قد يكونون تدارسوا خططاً لتأجيج حرب بالوكالة ضد إيران في المنطقة، حيث حقّق نجاحات متتالية وربّما داخلها وفي محيطها المباشر. إلّا أنّهم لم يتّخذوا قرارات، وقد لا يتّخذون قريباً بعد فشل “الخطّة” المتعلّقة بلبنان التي نفّذتها السعوديّة. وأولى علامات الفشل كانت نجاح فرنسا في إخراج الحريري من المملكة إلى فرنسا وإن من دون ضمانات تتعلّق بمستقبله وبعدم تعرّضه مُجدّداً إلى ضغوط متنوّعة. ويبدو استناداً إلى المعلومات أنّها خطّطت لذلك بدقّة إذ أخرجت عائلته من المملكة على دفعتين. ولا أحد يعرف إذا كانت هذه العائلة ستبقى كلّها في فرنسا أو ستعود باستثناء “ربّها” إلى المملكة. أمّا أسباب فشل “الخطّة اللبنانيّة” للسعوديّة فتعود إلى كون الحريري رئيس حكومة لبنان رغم حيازته جنسيّة المملكة، وإلى استهجان دول العالم التصرّف غير اللائق معه ومع عائلته طيلة فترة “الاحتجاز” وليس السجن. كما تعود إلى سرعة تحرّك رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ووزير خارجيّته وصهره جبران باسيل و”حزب الله”، وإلى استياء الشارع السُنّي اللبناني من الذي حصل رغم تأييده التقليدي للمملكة وتمسّكه بهذا التأييد، وخصوصاً بعدما استخدم هؤلاء “الاحتجاز” لترويج السياسة التي مارسوها والتي انطوت على تأييد “الحزب” وتصرّفاته ومنطلقاته وتبرير خطواته داخل البلاد وخارجها في العالم كلّه.
إلّا أن السؤال الذي يطرح حاليّاً هو: ماذا ستفعل إسرائيل بعد فشل الخطوة السعوديّة في تفجير الوضع الداخلي اللبناني، وفي استدراج “حزب الله” إلى مواجهة داخليّة لا بدّ أن تؤذيه رغم ترجيح انتصاره فيها؟ والجواب، كما تقدّمه المصادر الديبلوماسيّة الغربيّة الواسعة الاطّلاع نفسها، أنها لن تبقى ساكتة. لكن ذلك لا يعني شنّها حرباً لحساب المملكة على لبنان أو سوريا أو على الدولتين معاً. فهي تجري حسابات دقيقة تتعلّق بالجولان السوري ووجود “حزب الله” وحلفائه فيه. وحريّة طيرانها الحربي في الأجواء السوريّة صارت مقيّدة بسبب وجود روسيا التي تمتلك الآن المفتاح الأهمّ لسوريا، علماً أن هناك مفتاحاً آخر مُهمّاً تمتلكه إيران. ولا يفتح “بابها” إلّا اذا استُعمل الاثنان. وهذا ما يُعقّد انسحاب “الحزب” من الجولان مسافة كافية في رأي اسرائيل. ويُبقي ذلك باب الحرب الاسرائيليّة على سوريا مُشرّعاً. أمّا لبنان فإن المصادر نفسها تستبعد تعرّضه لحرب مماثلة إلّا إذا أثبتت إيران على الأرض انها وحّدت جبهتي لبنان وسوريا ضدّها.
أي موقف سيتّخذ الحريري بعد عودته إلى بلاده؟