حملوا ما تيسّر من أمتعتهم، تركوا آلام النزوح وراءهم وتوجهوا نحو بلدتهم الأم من دون أن يدركوا ما ينتظرهم في البلدة، ولا تصوّر مسبق لديهم عن حال بيوتها. لكنهم سعيدون بالعودة إلى بساتينهم المثمرة، التي أكلت لسنوات طويلة من شقاء أياديهم ونضجت ثمارها على حماوة اهتمامهم بها وحبهم لها.

أربعٌ وستون عائلة لبنانية وخمسٌ وأربعون عائلة سورية عادوا يوم أمس إلى الطفيل، برعاية دار الفتوى، وبمواكبة الجيش اللبناني، وبرفقة مفتي بعلبك - الهرمل الشيخ خالد الصلح، بعد هجرة قسرية امتدت لثلاث سنوات، نتيجة امتداد نيران حرب القلمون السورية إليها.

منذ ساعات الصباح الأولى تحضّر أهالي بلدة الطفيل عند مداخل بعلبك للعودة إلى بلدتهم، وهم من كان معظمهم يعيش في تجمعٍ يضم 57 خيمة، أقامها اتحاد الجمعيات الإغاثية لهم في بلدة عرسال في حزيران 2014، بينما كانت باقي العائلات موزعة بين بيروت والبقاع الأوسط. 

وكان قد انطلق الموكب من أمام دار الفتوى في بعلبك عند التاسعة والنصف صباحاً، سالكا طريق عين بورضاي - الطيبة - النبي سباط - عين البنية - حام، وصولا إلى الطفيل، وسط إجراءات أمنية مكثفة.

تحققت عودة 109 عائلة بعد أكثر من 6 أشهر من دعوة رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك لأهالي بلدة الطفيل للبدء بالعودة إلى ديارهم في 9 أيار الماضي، بعدما قام حزب الله بتنظيف البلدة من قوافل المسلحين الإرهابيين الذين كانوا قد احتلوها في العام 2014 ، وتمشيط البلدات والجرود المجاورة لها، سواء من الجانب السوري أو من الجانب اللبناني.

وفي معلومات "ليبانون ديبايت"، فإن الاتفاق الذي أعاد أهالي الطفيل الى بلدتهم، كان ثلاثي الأبعاد، أي بالتنسيق بين الدولة (وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق)، وبين حزب الله عبر الشيخ يزبك، وبين لجنة المتابعة التي أنشأها أهالي الطفيل، برعاية كل من مفتيي بعلبك الشيخ خالد الصلح والشيخ أيمن الرفاعي.

ونصّ الاتفاق على عودة العائلات اللبنانية من دون قيد أو شرط، بينما عودة العائلات السورية كانت مشروطة. فالمواطن من التبعية السورية سيعود إلى الطفيل لن يتمكن من العودة إلى لبنان مرة ثانية، وهو أمام خيارين إما البقاء في الطفيل، أو التوجه نحو الأراضي السورية حصراً. 
ولا بد هنا من تسليط الضوء أنّ هذه البلدة اللبنانية لا يمكن الدخول إليها عبر الأراضي اللبنانية، باعتبار أن الطريق الوحيدة التي تصل الطفيل بلبنان لا تزال ترابية ووعرة بالرغم من تعهد المشنوق بتعبيدها التزاما بالاتفاق، ولكن بحسب معلومات "ليبانون ديبايت"، فإن أموال تعبيد الطريق لا تزال عالقة في وزارة الاشغال العامة والنقل.
وفي المعلومات، فإن حاجز الأمن العام في بلدة حام قد ختم أوراق الخروج للسوريين العائدين، وهو الاجراء الذي يمنعهم من العودة القانونية إلى داخل الأراضي اللبنانية بأي شكل من الأشكال، نظرا للتعميم الصادر عن الأمن العام اللبناني القاضي بمنع دخول السوريين إلى لبنان في حال خروجهم.

وشمل الاتفاق استحداث مركز للجيش اللبناني على نقطة قريبة من البلدة، وفصيلة من قوى أمن الداخلي في البلدة. 
ويؤكد الشيخ الرفاعي، لـ"ليبانون ديبايت" أن رُعاة الاتفاق عملوا جاهدين لتكون العودة آمنة من كل النواحي و"حاولنا تحقيق هذه العودة قبل بداية العام الدراسي، واكتشفنا أن خيار 80 في المئة من الأهالي الذين نزحوا من الطفيل، العودة إليها".
ويشير الرفاعي إلى أن أهالي الطفيل لم يعودوا جميعهم يوم أمس إلى بلدتهم، فلا يزال هناك ما يقارب الـ200 عائلة بعد، وهم موزعون على بلدات اللأنصار، سعدنايل، الأوزاعي والشويفات. فـ"عودة الأمس كانت تحت عنوان جولة استكشافية، وإذا لم يتم التعرض للأهالي في البلدة أو استدعائهم أو التحقيق معهم، فسيتم إكمال عملية العودة والعمل على عودة العائلات المتبقية التي شرّدتها الأوضاع الأمنية المزرية في إحدى المراحل.

ويطالب الرفاعي باسم الاهالي تسهيل مرور اللبنانيين للوصول إلى بلدهم والخروج منها من دون عوائق، لا سيما أنه لا يوجد طبابة في البلدة، وناشد قائد الجيش العماد جوزيف عون "الذي أخذ الموضوع على عاتقه وخدم الأهالي وساعدهم" قائلاً: "بدنا تضل تدير بالك علينا وما تتركنا".

أما أحوال البيوت وممتلكات وأرزاق الأهالي، يؤكد الرفاعي أن "الممتلكات بالشكل العام مقبولة، لكن بعض الأشجار قُطعت وبعضها مرِض لعدم الاهتمام بها"، علماً أن هناك 15 عائلة أبت أن تترك بلدتها رغم كل الظروف التي مرّت بها الطفيل.
ويكشف عن وعد تلقاه الأهالي من الهيئة العليا للإغاثة بأن تقوم في حال كانت الطريق سالكة، بعملية كشف لمسح الأضرار والتعويض على الأهالي كما تم التعويض على أهالي عرسال.