لم تحجب عطلة عيد المولد النبوي الشريف في بيروت الاهتمام بـ «طبخة» الحلّ للأزمة السياسية التي انفجرتْ مع إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالتَه من الرياض في 4 نوفمبر الماضي قبل أن يتريّث في تقديمها مع عودته إلى بيروت، بعدما استدرجتْ «استنفاراً» إقليمياً ودولياً رسَمَ خطاً أحمر حول استقرار لبنان ومكانة الحريري في المعادلة الداخلية والخارجية والحاجة إلى لجْم أدوار «حزب الله» في أكثر من ساحة من ضمن المسار الرامي إلى تحجيم نفوذ إيران في المنطقة.

ويشقّ التفاؤل الكبير بقرب تصاعُد «الدخان الأبيض» إيذاناً بعودة الحريري عن استقالته طريقه في ملاقاة الجلسة المرتقبة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، والتي ستشهد إعلاناً سياسياً حول النأي بالنفس عن أزمات المنطقة مازالت صيغته غامضة تماماً، كما ترجماته العملية والضمانات المحلية والخارجية للالتزام به كمَدخل لتجنيب لبنان انعكاسات احتدام المواجهة الإيرانية - السعودية.

وفيما ستشهد الأيام القليلة المقبلة اكتمال صياغة البيان - المَخرج لعودة الحريري عن استقالته، فإن وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في روما ومشاركته في مؤتمر الحوار الأوروبي - المتوسطي بحضور مسؤولين إقليميين ودوليين بارزين، اضافة الى زيارة رئيس الحكومة لباريس، وإن طغى عليها الطابع العائلي، سيشكلان فرصة للعمل على حشد المزيد من التأييد للمسار الجديد في لبنان.

ومع بدء العد العكسي لولادة الحلّ، تركّز غالبية الدوائر المتابِعة في بيروت في مقاربتها النسخة الجديدة من التسوية السياسية في البلاد على نقطتيْن: الأولى وقْعها الخارجي خصوصاً على السعودية ولا سيما في ضوء مواقف الرئيس عون التي وصف فيها «حزب الله» بأنه «قوة دفاع وليس إرهابياً... وعندما تنتهي الحرب ضدّ الإرهاب سيعود مقاتلوه الى لبنان»، والنقطة الثانية التنازلات التي سيقدّمها «حزب الله» لضمان طيّ صفحة الاستقالة، وسط سؤال أوساط مطلعة عن «الثمن» الذي يريده الحزب في المقابل من خصومه في الداخل وهل هو في وارد القبول بأن يُعطي من دون أن يأخذ، خصوصاً في ظلّ الكلام عن التزامات «متوازنة ومتوازية» في المَخرج.

وفي حين كان الحريري يكرّس قبيل توجهه ليل الاربعاء الى العاصمة الفرنسية مناخات التفاؤل بقوله «ان الأجواء ايجابية، وان شاء الله خلال الأسبوع المقبل، إن بقيتْ هذه الايجابية قائمة، سنبشّر اللبنانيين مع فخامة الرئيس ورئيس المجلس النيابي بالخير»، فإن أوساطاً مطلعة ترصد بعناية المسار السياسي الموازي لمأزق الاستقالة والمتمثّل في الإشارات الى إمكان حدوث تعديل حكومي يشيع إعلام «حزب الله» انه سيطول حزب «القوات اللبنانية» بناءً على رغبة من رئيس الحكومة وذلك ربْطاً بـ «الندوب» التي اعترتْ العلاقة بين الطرفين على خلفية الاستقالة المفاجئة للحريري من الرياض.

ورغم الانطباع بأن أيّ تعديل وزاري بهذا المعنى ليس متاحاً نظراً إلى الحاجة لاستئناف عجلة العمل الحكومي سريعاً، وهو ما ألمح إليه رئيس البرلمان نبيه بري وسط عدم إسقاط إمكان إجراء بعض الأحزاب تغييرات في ممثليها، فإن الاهتمام منصبّ على معاينة أفق العلاقة بين «تيار المستقبل» (يقوده الحريري) و«القوات اللبنانية» والتي تمرّ في أصعب اختبارٍ لن يكون تجاوُزه ممكناً من دون مكاشفة وجهاً لوجه بين الحريري والدكتور سمير جعجع بما يُنهي «الأزمة» التي تُنسج حولها الكثير من الروايات.

وفي الوقت الذي بات لقاء الحريري - جعجع في عهدة اتصالات ما وراء الكواليس، فإن رئيس الحكومة مضى في توجيه رسائل سياسية متصلة بملف الاستقالة تؤكد على ثابتة الاستقرار ومقتضيات حماية مصالح لبنان وشعبه من خلال النأي بالنفس.

وفي هذا السياق، جدّد الحريري تأكيد أن استقالته من الحكومة كانت «بقصد ايجاد صدمة إيجابية في لبنان، وأن يفهم العالم أن بلدنا لم يعد قادراً على تحمل تدخلات (حزب الله) في شؤون دول الخليج حيث يقيم ما يقارب 300 ألف لبناني ووجودهم مهم جداً بالنسبة الى اقتصادنا ويجب ألا ندفع ثمن أعمال الحزب».

وفي مقابلة أجرتها معه مجلة «باري ماتش»، اوضح الحريري أنه «سيستأنف دوره كرئيس لمجلس الوزراء»، مشدداً على أنه «لو كنتُ محتجزاً (في السعودية)، لما كنتُ اليوم هنا في بيروت وما تمكنتُ قبل ذلك من الذهاب إلى باريس ومصر وقبرص. كنتُ حراً».

وأكد أنه «علينا أن نميّز. في لبنان، لـ(حزب الله)دور سياسي. لديه أسلحة، ولكنه لا يستخدمها على الأراضي اللبنانية. إن مصلحة لبنان هي بضمان عدم استخدام هذه الأسلحة في أماكن أخرى. وهذه هي المشكلة»، مضيفاً: «أخشى أن تدخل(حزب الله)في الخارج سيكلّف لبنان غاليا. لن أقبل أن يشارك حزب سياسي لبناني في مناورات تخدم مصالح إيران»، وتابع: «لا أحد هنا (في لبنان) يريد أن يعيش حرباً أهلية من جديد، ولذلك من الأساسي تنفيذ سياسة جامعة، همها الرئيسي مصالح لبنان... وقد اخترنا الحوار من أجل مصلحة لبنان واستقراره».

وحين سئل الحريري: «في تعامله مع هذه الأزمة (الاستقالة)، هل لديك شعور بأن الرئيس ايمانويل ماكرون أخرج السعوديين من موقف صعب؟»، أجاب: «تصرف الرئيس ماكرون لصالح فرنسا ولبنان والمنطقة. لقد تصرّف لتَجنُّب حرب أخرى وسيقال يوماً ما إنه لعب دوراً تاريخياً». وأضاف: «تحدث الرئيس ماكرون مع الجميع: الأميركيون والأوروبيون وإيران وروسيا. إن العلاقات بين بلدينا تاريخية بالتأكيد، ولكن هنا أكثر من هذا الأمر. الناس تعبوا من الحروب».

وإذ أوضح تعليقاً على وجود تهديدات على حياته ان «التهديدات موجودة دائماً. لديّ العديد من الأعداء، منهم المتطرفون ومنهم النظام السوري الذي أصدر حكما بالإعدام ضدي...»، قال حين سئل: هل تعترف أن بشار الأسد انتصر بالحرب: «لم ينتصر. الرئيسان بوتين وروحاني انتصرا»، مضيفاً: «الأسد هنا، ولكن عليه أن يغادر، ومخطئ مَن يظن أن الانتصار ضد (داعش) حل المشكلة. فالمشكلة في سورية هي بشار الأسد».

ووصف الحريري ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأنه «رجل معتدل يريد سياسة انفتاح لبلده».
"الراي"