لا ريب بأن قضية الشاعر مصطفى سبيتي (أحمد)، وما كتبه على صفحته الفيسبوكية من إساءة مقززة بحق العذراء واعتذاره بعد ذلك وتراجعه أخذت حيزًا أكبر بكثير من حجمها الطبيعي، فتداخلت فيها تعقيدات السياسة ممزوجة بالسطوة الدينية.
واختلط الحابل بالنابل، بين فريق يدافع بخلفية سياسية متجاهلًا البعد الديني والأخلاقي للقضية، وبين متهجم بخلفية دينية غير مكترث لإنتماء الشاعر وتوجهاته السياسية ودعمه المعلن لمحور الممانعة ودفاعه المستميت عن حزب الله.
الملفت بالموضوع أن هذا التداخل بين السياسة والدين إنعكس جليًا حتى داخل أوساط حزب الله نفسه على الأقل داخل بلدة الشاعر الجنوبية (كفرصير)، ففي الوقت الذي حاول أحد النافذين بالحزب كتابة مطولة عن الموضوع يعتبر فيها أن القضية لا تعدو أكثر من إستهداف "للمقاومة" ولم ينسَ طبعًا ذكر أميركا وإسرائيل والسعودية (دارجة هالأيام)، والمخابرات الإمبريالية وبالتالي فإن الدفاع عن الشاعر هو بمثابة الواجب القومي وأن المطالبة بالإفراج عنه تمامًا كتحرير الأسرى من سجون العدو! 

إقرأ أيضًا: مشاورات في الزمان الخطأ
هذا في حين تصدى لهذا المنطق والد شهيد لم يجف دماء ولده بعد (دفاعًا عن المقدسات)، ليقول له بأن المعيار الديني فقط هو ما يجب أن يراعى في علاقتنا ومدى قربنا من الأشخاص والجهات، وعليه فإن كنا صادقين بأننا حزب ديني وأهدافنا أولًا وأخيرًا مرسومة وفق ثقافتنا الدينية فإن المقاومة (كما قال) لا يشرفها بأن يكون مناصريها ممن يسيئون لله وأنبيائه والعذراء مريم عليها السلام.
إن هذا الجدل الإيجابي الذي أحدثه توقيف الشاعر بين صفوف الحزب هو أكثر من ضروري، ويساهم بطريقة أو بأخرى ببلورة فهم حقيقة قد تكون غائبة عن كثيرين مفادها أن المصالح السياسية مقدمة دائمًا على المفاهيم الدينية، وأن تحقيق الغايات الحزبية تبرر الدوس على كل شيء حتى ولو كان ذو طابع ديني.
أما النقطة الثانية والمثيرة للجدل في هذا المقام، هي الدهشة العارمة عند الكثيرين بعد توقيف الشاعر، دهشة ليست منطلقة من الإستغراب لسجن شاعر مشهود له بحضوره القوي في الأوساط الأدبية والفكرية فضلًا عن تاريخ نضالي معروف، وإنما الإستغراب كان بسبب كسر قاعدة تعتبر بديهية بأن من يتكئ على سلاح الحزب وحضور الحزب ويحسب من داعمي الحزب فهو فوق القانون وفوق المحاسبة مهما ارتكب من مخالفات!

إقرأ أيضًا: ما بعد بعد فرنسا
ولعلّ من هنا تحديدًا اعتَبر من يدافع عنه أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن تجرؤ القوى الأمنية والنيابية العامة على هذه الفعلة لا بد من ضغوط هائلة مورست عليها فاستحضر بسذاجة أميركا وفرنسا والسعودية، وإلا فمن غير المعقول بأن تتحرك النيابة العامة ضد شخصية تعتبر مناصرة للحزب من تلقاء نفسها أو لمجرد الطلب منها من مرجعيات دينية محلية أو حتى من رئيس الجمهورية نفسه كما قيل. 
أنا أصدق بدون أدنى شك ما جاء باعتراف الشاعر بأن ما كتبه إنما كتبه وهو تحت حالة السكر والثمالة، وأستطيع أن أضيف عليها بأن السكر لم يكن نتاج إحتساء الخمرة فقط، بل لعل الشاعر كان سكرانًا بسلاح الحزب أيضًا ويعتبر نفسه بأنه فوق القانون. 
يبقى قول لا بد منه، أنه ومهما كانت خطيئة الشاعر فادحة ومستنكرة، إلا أن إعترافه بخطئه وإعتذاره يجب أن يكونان كفيلان بإنهاء القضية والإفراج السريع عنه، وأن سجن شاعر بحجم مصطفى سبيتي بسبب بوست في بلد يعج بالفساد والمفسدين دون أن يرف للقضاء والنيابات العامة جفن لهو أمر معيب.