ثمّة علاقة غير ناضجة بين الإسلام الجهادي والشيوعية الثورية ولكنها تلتقي تحت سقف الضرورة وإحدى الضرورات العدو الأميركي
 

حضر السفير الصيني محاضراً في الضاحية الجنوبية عن الممرات الإقتصادية والثقافية في منطقة تتصارع فيها الدول لتحسين أدوارهم السياسية في عالم تحكمه الولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي يجعل من المنتصر مهزوماً هذا إذا وجد المنتصر بالفعل لا بالقول كما هو رائج في أدب الخطاب العربي والإسلامي إذ لا تتوفر كلمة خسرنا أو إنهزمنا في المعجم اللفظي لأمّة العرب والمسلمين .
لا أعرف كيف تمكنت الضاحية من إستيعاب الصين تاريخياً وجغرافيا وثقافة وإقتصاداً؟ وكيف تمكنت الصين من ملاقاة الضاحية وهي أصغر من حيّ صيني في بكين و أكبر من شارع ؟ أظن أن دور الضاحية أكبر من دور الصين في المنطقة العربية فالأولى تشغل الحيّز الأكبر من الحروب في حين أن الثانية غير معنية فيها ولم تدخل آتونها المشتعل إلاّ بالقدر الذي تتطلبه الحاجة الماسة إليها باعتبارها ورقة فيتو في مجلس الأمن، بتقديري أن المشترك التاريخي في الصيغة الماوية والمقاومة الإسلامية يُبرر الكثير من العلاقات الودية القائمة بين النماذج الثورية ذات الطابع السلفي خاصة وأن الصين الماوية مفرطة في ثوريتها بحيث أنها ألغت كل شيء لصالح نظام ماوي بالمعنى الشخصي لسلوك الفرد القائد الفذ التاريخي وبالمعنى الثقافي لفهم ماوي – ماركسي يدينه ماركس نفسه لأنه لا ينتمي إلى الماركسية بنسختها الأصلية بالقدر الذي ينتمي إلى نسخة ماوية متفرعة عن الماركسية كتأويل صيني لصيغة الحكم والممارسة السياسية.

إقرأ أيضًا: الحريري وجعجع على مفترق طرُق
ثمّة علاقة غير ناضجة بين الإسلام الجهادي والشيوعية الثورية ولكنها تلتقي تحت سقف الضرورة و إحدى الضرورات العدو الأميركي باعتباره عدو الشيوعية وعدو الجهاديين ولم تفلح حتى الآن محاولات التأسيس لعلاقة ثابتة مبنية على برنامج عمل مشترك جدي وفعلي لمواجهة أخطار العدو من الجهة ولتصحيح المسارات السياسية في المنطقة من جهة ثانية وهذا ناتج عن موقف إيديولوجي بالنسبة للإسلاميين من الإلحاد الشيوعي وموقف إيديولوجي آخر بالنسبة للشيوعيين من الدين باعتباره أفيون من جهة وأداة بيد البرجوازية من جهة ثانية، من هنا برزت علاقات سطحية بين التيارات الجهادية والتيارات الشيوعية لم تصل إلى عمق معين نتيجة ما ذكرنا ونتيجة تراجع التيارات الشيوعية إلى مستوى نضالي لا يتجاوز حدود المنشور السياسي وأكثر هذه التيارات سواء كانت بقايا أحزاب شيوعية أو أفراد قد التحقوا عملياً بالجهاديين الإسلاميين وتحوّلوا إلى ألسنة دفاعية عن الإسلام السياسي والجهادي وبعضهم منظم مالياً وتغطي نفقاته صناديق الخمس والزكاة.

إقرأ أيضًا: دواعش العرب والعجم
في العودة إلى السفير الصيني المحاضر في الضاحية , بداية تحمس للخطاب التقليدي لدى المرجعيات الثقافية الثورية والتي تشكل الصين بعداَ من أبعاد هذه الثقافة التي تربط أحداث العالم برؤية ماو باعتبارها الحلّ الأمثل أو الوحيد لراحة الشعوب وتحريرها من رقبة الإستعمار الجديد والإستغلال الإمبريالي بطبعته الأمريكية والعجيب أن الصين نفسها تخلت إقتصادياً عن الإقتصاد الماوي وجنحت نحو إقتصاد أميركي تماماً كما هم الإسلاميين الذين يستهلكون وبقوّة ما ينتجه الغرب ويحركون قوتهم ضدّه وهذا نوع من التلاقي ما بين الشرقيين الذين يأخذون كل شيء من الغرب ويتمسكون بثقافات لم تقدمهم رسخاً طيلة رحلتهم التاريخية.
لقد حسّنت الحرب السورية من مستوى العلاقة بين قوى غير مؤتلفة عقائدياً لكنها منسجمة سياسياً وهذا ما أتاح نوع من إنفتاح العقل الشمولي على بعضه البعض وهذا ما دلّ على عدم وجود أيّ فارق في البُنى الحزبية للإسلاميين وللشيوعيين ولم يعد الإله مشكلة بين المتدينين والملحدين فلقد تمّ تجاوز موضوع العلاقة مع الكافر فقهياً على قاعدة المفاسد والمصالح ومع المؤمن على قاعدة النضال المشترك ضدّ الإمبريالية الأمريكية.
يبدو أن الثقافات الشعبية تنتشر في البيئات الفقيرة باعتبارها المادة الحزبية السهلة والقادرة على التنظم وعلى التعبئة وعلى الشهادة وعلى الإستشهاد لذا لا تكون الثقافة الشعبية الصينية الماوية بغريبة عن بيئة الضاحية بل هي جزء متماه معها ولو فرضنا أن السفير الصيني نفسه قد حضر الضاحية مرة ثانية وببذلته الغربية وتحدث عن الصين الناهضة اقتصادياً بفعل وفضل مفاهيم السوق الغربية فهل سيكون لهذا الحديث صلة  "بصين" الضاحية؟