انطلقت الثلاثاء جولة ثامنة من مفاوضات السلام السورية برعاية الأمم المتحدة في جنيف، بحضور المعارضة السورية بوفد موحد، بعد أن استطاعت السعودية لملمة شتاته الأسبوع الماضي، ونتج عن اجتماع الرياض تشكيل الهيئة العليا الجديدة للمفاوضات برئاسة نصر الحريري، كما أعلن النظام السوري مشاركته بالمحادثات من خلال وفد حكومي يصل الأربعاء، ورغم أن الشارع السوري الذي أنهكته الحرب يطمح إلى أن تجد الأطياف السورية حلا للأزمة السورية، خاصة بعد انحسار داعش، إلا أن إصرار المعارضة على رحيل بشار الأسد كشرط في المرحلة الانتقالية من جهة، ورضوخ الأخير للإملاءات الإيرانية والروسية والتركية، الذي كشف لقاؤه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة سوتشي الأخيرة سعيه لتعزيز مكاسبه الميدانية من جهة أخرى، يجعل من فرص حدوث انفراجة خلال هذه المحادثات ضئيلة
 

عاد قطار المفاوضات السورية في جنيف إلى الانطلاق مجددا، الثلاثاء، بعد توقف لنحو خمسة أشهر، وبمشاركة المعارضة السورية بوفد موحد، فيما قالت وسائل إعلام إن وفد الحكومة السورية سيصل إلى جنيف الأربعاء لحضور محادثات السلام. وكان الوفد أرجأ سفره للمشاركة في المحادثات بسبب إصرار المعارضة على تنحي رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وتعقد الجولة الجديدة وهي الثامنة، بعد آخر جولة في يوليو الماضي، التي لم تثمر تقدما في ملفات الأجندة التي وضعت في جولات هذا العام، وتشمل أربعة ملفات: الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات ومكافحة الإرهاب.

وتحمل الجولة الحالية ثلاث نقاط جديدة عن الجولة السابقة، وتأتي في وقت شهدت فيه الأيام الأخيرة زخما وحراكا دبلوماسيا، توج بقمة سوتشي بين الدول الضامنة في الأزمة السورية (تركيا وروسيا وإيران).

وعقدت القمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، الأربعاء الماضي، بمدينة سوتشي، ووصفت بأنها هامة لمستقبل الحل السياسي للبلاد.

واتفق قادة روسيا وتركيا وإيران في ختام القمة على خطوات للتوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب في سوريا، ويشمل ذلك تنظيم مؤتمر حوار تشارك فيه كل المكونات السورية، وتعزيز وقف إطلاق النار، وزيادة المساعدات للمتضررين من الحرب.

ويعد الملمح الأهم في جنيف 8 هو الوفد الموحد للمعارضة، الذي أثمر عنه مؤتمر الرياض الموسع الثاني للمعارضة السورية، الأسبوع الماضي. وشاركت فيه مختلف أطياف المعارضة، لتشكيل الهيئة العليا الجديدة للمفاوضات. وضمت الهيئة الجديدة 50 عضوا، من الائتلاف السوري المعارض، والفصائل العسكرية، والمستقلين، وهيئة التنسيق الوطنية، ومنصتي القاهرة وموسكو.

 

وفد موحد للمعارضة

 

انتخب نصر الحريري رئيسا للهيئة العليا للمفاوضات، خلفا لرياض حجاب الذي استقال الاثنين قبل الماضي، من دون إبداء أسباب. واعتبر رئيس الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري، التوقعات من جولة المفاوضات الحالية “ضئيلة”، متهما النظام بمواصلة عرقلتها ودعا الحريري القوى العظمى خاصة روسيا إلى الضغط على حكومة الأسد لإجراء مفاوضات حقيقية بشأن انتقال سياسي يعقبها دستور جديد وانتخابات حرة، وفقا لخارطة طريق الأمم المتحدة لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ستة أعوام.

وقال الحريري للصحافيين بعد وصوله إلى جنيف “نؤكد على أن الانتقال السياسي الذي يحقق رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية هو هدفنا”. وأضاف “النظام لا يزال يلجأ إلى تكتيكاته بالمماطلة لعرقلة التقدم في الحل السياسي، ففي الوقت الذي تأتي فيه قوى الثورة والمعارضة بوفد واحد وتتجاوز كل العقبات وفي الوقت الذي يسعى فيه المبعوث الخاص إلى إنهاء طور المحادثات السياسية والبدء في مفاوضات جدية ومستمرة وحقيقية وفق جدول زمني حدده قرار مجلس الأمن، نرى اليوم أن النظام لا يأتي إلى المفاوضات”.

وتتألف لجنة التفاوض الجديدة لوفد المعارضة من 36 عضوا، برئاسة الحريري. وتضم اللجنة 8 أعضاء عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، و5 أعضاء عن التنسيقيات المحلية، و4 أعضاء عن منصة القاهرة، و4 عن منصة موسكو، و7 عن الفصائل العسكرية، إضافة إلى 8 أعضاء عن المستقلين.

وبذلك تمكنت المعارضة من سحب ذريعة النظام، بأنه لا يجد مخاطبا له في مؤتمرات جنيف، مع تعدد المنصات المعارضة، مما يؤشر على وجود زخم جديد، ربما تتكلل بالمفاوضات المباشرة. وشدد البيان الختامي لمؤتمر المعارضة السورية بالرياض على ضرورة “خروج بشار الأسد ونظامه من الحكم”، وتحفظت على ذلك منصة موسكو.

 

ويتعلق الملمح الثاني بنجاح مناطق خفض التوتر، ووقف إطلاق النار، رغم خروقات النظام، حيث أسهمت في هدوء بالجبهات، مع وصول للمساعدات، باستثناء الغوطة الشرقية التي لم يطبق فيها الاتفاق.

ويساهم توقف الاشتباكات في تقدم العملية السياسية، حيث تراقب الدول الضامنة مناطق خفض التوتر الأربع (أجزاء من حلب وإدلب واللاذقية شمالا، وريف حمص وحماة وسطا، والمنطقة الجنوبية، والغوطة الشرقية).

ويعتبر النجاح في مناطق خفض التوتر تطبيقا لبعض بنود القرار الأممي 2254، الذي ينص على إجراءات بناء الثقة والبنود الإنسانية، فيما بقي ملف المعتقلين معلقا دون حل في جولة أستانة الأخيرة الشهر الجاري.

وفي الرابع من مايو الماضي، اتفقت الدول الضامنة، في اجتماعات “أستانة 4”، على إقامة “مناطق خفض التوتر”، يتم بموجبها نشر وحدات من قوات الدول الثلاث لحفظ الأمن في مناطق محددة بسوريا.

وبدأ سريان الاتفاق في السادس من الشهر ذاته، ويشمل أربع مناطق هي: محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب وأخرى من ريف اللاذقية (شمال غرب)، وحماة (وسط)، وريف حمص الشمالي (وسط)، وريف دمشق، ودرعا (جنوب).

كما تم الاتفاق في أستانة 6 التي عقدت في سبتمبر الماضي، على إنشاء منطقة آمنة في محافظة إدلب تراقبها تركيا، التي أرسلت بعدها قواتها إلى المحافظة، وبدأت بإنشاء مراكز مراقبة.

أما النقطة الثالثة، فهي مخرجات القمة في سوتشي، وهي التأكيد على الحل السياسي ووحدة البلاد، حيث تعتبر الدول المشاركة في القمة، وهي تركيا وإيران وروسيا، دولا مؤثرة على الأطراف السورية.

كما يمثل تقليص مساحات نفوذ داعش في سوريا، بعدا جديدا للحل السياسي، حيث كانت القوى الخارجية مثل روسيا والولايات المتحدة تتذرع بأولوية مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، قبيل الانتقال للحل السياسي.

ومع تقليص نفوذ داعش، يبدو أن التركيز سيكون على الحل السياسي، وستكون مناقشة المسائل الدستورية وقضايا الإرهاب على أجندة المباحثات، بحسب مصادر أممية. كما تستمر في هذه الجولة اجتماعات الخبراء، ضمن العملية التشاورية حول المسائل الدستورية والقانونية، التي أنشأها المبعوث الأممي الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا، خلال الجولة السادسة، إضافة إلى حضور منتظر للسلال الأربعة للمحادثات. ويرى مراقبون أنه سيتم بحث ملف الدستور الجديد على صدارة أعمال الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف السورية.

 

مسار جنيف

 

على صعيد مسار جنيف تختلف الأطراف المشاركة في المحادثات في وجهات النظر حول المرحلة الانتقالية وتأسيس الحكم الانتقالي. وترى المعارضة السورية، بدعم من حلفائها وأبرزهم تركيا، أن يتم تأسيس حكم انتقالي كامل الصلاحيات، إلا أن روسيا وإيران، اللتين تدعمان نظام بشار الأسد، تريدان صيغة للتشارك في الحكم الموجود.

وسيكون تحقيق تقدم في محادثات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف الأصعب على الأرجح من سبع جولات فاشلة سابقة، بينما يسعى الأسد لتحقيق نصر عسكري كامل في وقت يتمسك معارضوه بمطلب رحيله عن السلطة. وسرعان ما انهارت جميع المبادرات الدبلوماسية السابقة بسبب مطالبة المعارضة برحيل الأسد ورفضه ذلك.

وبدأ التأسيس لمسار جنيف، في يونيو 2012، باجتماع أولي شاركت فيه الدول المعنية بالأزمة، ودعت في بيان لها إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات، يعقب ذلك تأسيس هيئة حكم انتقالي من أسماء مقبولة من النظام والمعارضة، تكون كاملة الصلاحيات، بمعنى ألا يكون للأسد أي دور في السلطة.

وينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الصادر في ديسمبر 2015، على أن يتم تأسيس هيئة حكم انتقالي بعد محادثات بين النظام والمعارضة، خلال ستة أشهر، تقوم بصياغة دستور جديد في 12 شهرا، ثم إجراء انتخابات.

وفي ظل تباين مواقف الدول الداعمة للنظام والولايات المتحدة الأميركية، التي تطلق تصريحات متباينة، فإن مواقف تركيا هي احترام القرار 2254، والتشديد على أن “حكومة الوحدة الوطنية”، التي يروج لها النظام وحلفاؤه لن تستطيع أن تحل مكان “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات”.

وتصر المعارضة على التطبيق الكامل للقرار الدولي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات. وعقدت محادثات جنيف الأولى في 30 يونيو 2012، و”جنيف 2” في 22 ينايير 2014، وانتهت الجولتان دون نتيجة، فيما عقدت “جنيف 3”، في 29 يناير 2016، وتوقفت المحادثات مع حصار النظام لمدينة حلب (شمال)، قبل عقد عدة جولات أخرى لم تنجح في تحقيق أي تقدم.

وفي 30 ديسمبر 2016، تم توقيع اتفاق هدنة بضمانة تركية روسية، على أنه في حال نجاح الهدنة بتخفيف الحرب، يتم الانتقال إلى استئناف المحادثات السياسية في جنيف، وهو ما توافقت عليه الأطراف. وتسببت الحرب الأهلية السورية التي دخلت عامها السابع في مقتل الآلاف وأحدثت أسوأ أزمة لاجئين في العالم ودفعت 11 مليون شخص للفرار من منازلهم.